مسلّم الهواملة: من غرفته الهادئة التي يقطنها بمفرده التي لا تبعد عن قبور الأموات بالإفلاج إلا بضعة أمتار، يكشف المقيم الباكستاني محمد بشير؛ لـ "سبق"، سرّ معيشة 15 عاماً بين قبور الأموات وحده، سارداً حكاياته اليومية مع البشر الأحياء منهم والأموات. بداية .. وهاجس الروايات عن بداية عمله في حفر القبور وحراسة الأموات، ذكر "بشير"؛ البالغ من العمر 50 عاماً، أن عمله في هذه المهنة قبل 15 سنة؛ حيث كان يوجس بالخوف من صمت القبور ليلاً؛ لما يتم تداوله بين أوساط المجتمع من روايات وحكايات اكتشف بعد عمله أنها من نسج الخيال، ولم تحدث معه أبداً، مشيراً إلى أن هناك مفاجآت ومواقف مبكية وأخرى مضحكة. مواقف طريفة ومحزنة من المواقف الطريفة التي قابلته خلال عمله، فقد فوجئ "بشير" يوماً بخروج شخص من القبر وهو يحمل مفرشه عازماً على الخروج من أسوار المقبرة، وبعد الالتقاء به تبيّن أنه مواطن نام في القبر ليلاً، وخرج في الصباح. وأضاف: "تكرّر هذا المشهد من آخرين يقدمون للمقبرة ليلاً حاملين مفارشهم، ويطلبون منه السماح لهم بالمبيت في القبور، ويغادرونها في الصباح"، وعن سر هذا الأمر تبيّن له أنهم يأتون للمقبرة من أجل العظة والعبرة فقط وبشكل قليل جداً". وأوضح: "أما المواقف المحزنة فمتعدّدة وهي بكاء البعض من ذوي الموتى ورفضه مغادرة القبر، وغيرها من المواقف اليومية المتعدّدة". وقت الوفاة والمدينة وعن زيارات ذوي الموتى لمقابر أقاربهم، ذكر أنه يعرف جميع القبور، وخاصة ذات العلامات، ويقوم بإرشاد ذويهم إليها، كما أن بعض المسافرين يطلبون منه في أوقات مختلفة، صباحاً ومساءً، زيارة قبور أقاربهم، ويتم على الفور إرشادهم إليها بعد معرفة وقت الوفاة ومدينة المتوفى. لم يتأخروا يوماً وتحدث "بشير" عن أوقات الزيارات التي تشهدها المقبرة، قائلاً: "يزور الناس ذويهم المتوفين بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع وبعد العصر، إلا أن هناك أبناء أحد المقيمين الذين تمّ دفنه بالأفلاج يقومون يومياً منذ نحو عام بزيارة قبر والدهم والدعاء بشكل يومي ولم يتأخروا يوماً واحداً. ردم بعد تجهيز! وعن المشكلات التي واجهته، ذكر "بشير"، أنه قبل سنوات كان هناك شخصٌ يدخل المقبرة ويقوم بردم القبور التي يتم تجهيزها، وتكرّر ذلك مرات عدة بحجة عدم تجهيز أيّ قبر إلا عند وجود متوفى، وبعد إبلاغ الجهات المختصّة توقف عن ذلك. أصابتني بالحجارة واستطرد: "قبل سنتين قدم مقيم عربي برفقة زوجته ودخلا المقبر؛ من أجل زيارة شقيقة زوجة المقيم، وبعد رفضي زيارة النساء للمقبرة أصرّت زوجة المقيم وقامت بضربي ورميي بالحجارة وأصابتني، بعدها قمت بالاتصال بأحد المواطنين القريبين من المقبرة وعلى الفور تدخّل وعالج الموقف". شتاء وإجازات! واختتم "بشير" قائلاً: "السنوات الثلاث الأخيرة قلت فيها نسبة الوفيات؛ حيث كان عدد القبور التي يتم دفن المتوفين فيها بالمقبرة الواحدة نحو 150 سنوياً، وفي الأعوام الأخيرة 140"، مبيّناً أن الوفيات تكثر في الإجازات، وتقل مع بداية العام الدراسي، ولكن وفيات المواليد تكثر مع تزايد شدة البرد في فصل الشتاء؛ كذلك بعد موسم الحج.