هل هنالك أمل في أن يفعل الساسة الليبيون ما يقولونه أو ما يفترض بهم فعله؟ لا أظن! ساستنا هم ذاتهم. لا تغيير سوى في المواقع كحال حافلات الموظفين. فالنائب يتحول إلى وزير أو سفير أو مندوب أو مدير. والشواهد كثيرة فأغلب أعضاء المجلس الانتقالي لازالوا موجودين أما بالمؤتمر أو بالبرلمان وبعضهم وزراء أو مدراء وأغلبهم سفراء أو ملحقين، فالوجوه ذاتها ولا جديد وكأن الفشل الذي حدث لم يكن فشلهم والفساد الذي عم ليس فسادهم. الأدهى والأمر أن ثقافة المؤسسة العائلية أو النجوعية لا زالت سائدة في كل المؤسسات "الافتراضية"، ولا زالت دولتنا افتراضية كما كانت طوال عقود. وأي متصفح لأسماء المدراء في الوزارات أو موظفي السفارات سيلاحظ أن الموظفين أقرباء وأصهار وأخوال يجمعهم الوزير أو السفير من حوله كدرع عائلي أو قبلي لحمايته وخدمته ويغدق عليهم العطاء من أموال الشعب وميزانية الدولة. فالثقة معدومة في سواهم والخدمة والفائدة محجوبة أيضا عن سواهم، وقلما يتم الاهتمام بالكفاءة او الجودة لأن آلية العمل ومهامه وغاياته تتغير كليا، وتصبح الآلية عائلية أو قبلية والغايات شخصية والفوائد أيضاً شخصية. البلوى عموم. فالمؤتمر والبرلمان إخوان متحابان ومترافقان في هذا. وما فعله أعضاء المؤتمر يفعله نواب البرلمان. وشريعة النجع وثقافته تعلو أي شريعة أخرى وتبزها، وسفراء ليبيا في أغلب الأقطار حاضنات اجتماعية للإخوة والأصهار والأخوال، والتوظيف والعقود المفتوحة والخدمات ومنح الكراسي التعليمية والعلاج مقصورة على الاقرباء والاصدقاء ضمنياً، ويكاد يكون الموت بالخارج مقصوراً عليهم أيضاً لما يحصل عليه الميت من مساعدات وخدمات مدفوعة من قبل الدولة. فالسجلات الوظيفية بسفارات كثيرة لا تعدو كونها كتيبات عائلية. هذا العبث المتفاقم أدى إلى ضياع قيمة السفراء وتدني مستوياتهم وغرقهم في شبهات الاختلاس والسرقة وافتضاحهم بالرشاوى والفساد، وأدى إلى تدني قيمة المواطن الليبي وتعرضه إلي اهانات عديدة في مختلف البلدان، كما يعاني أغلب الليبيين في الخارج من تعرقل اجراءاتهم وعدم حصول أطفالهم على الدراسة، وتعرضهم للابتزاز من أجل نيل حقوقهم وأخذ ما ينص عليه القانون. فمقابل القرارات المتتالية للإيفاد وقرارات العلاج وقرارات لجان التعليم وسفرات النواب الدائمة والاقامات الفارهة للدبلوماسيين وعائلاتهم وازدياد عدد الموظفين بالسفارات، نجد تأخر منح الطلاب ووقف التأمين الطبي ومصاريف البحث بحجة عدم توفر ميزانية كافية وإيقاف ضم المرافقين وايقاف دفع رسوم دراسة الاطفال رغم وجود لوائح وقرارات قانونية تنص على هذه الحقوق وتقرها، وهو ما يدعو إلى الريبة. فان كانت الميزانية لا تكفي لوفاء الدولة بالتزامها اتجاه طلابها الموفدين، كيف لها أن توفر مصاريف سفر واقامات فارهة وتكاد تكون دائمة لنواب يفترض دوام وجودهم داخل البلاد لمعالجة ازماتها ومناقشة أوضاعها الداخلية وليس تجوالهم بالخارج وتراقصهم بردهات الفنادق. اعتقد أن ازمتنا أزمة أخلاق ومهام. فالبرلماني ليس له الحق في تمثيل أي سلطة تنفيذية وليس له أي حصانة خارج مهامه ولا امتيازات خارج البلد. فامتلاك جواز السفر الدبلوماسي الذي بات وسيلة استغلال وطريقة للهروب من العمل بسبب عدم احتياج حامله لتأشيرة قد ادى إلي تراكم النواب بالخارج، وعملهم كتجار شنطة ومهربي أموال وملاك للعقارات في اغلب الدول. وامتيازات الدبلوماسية يستخدمها الدبلوماسيون الليبيون حتى في اللقاءات التلفزيونية والمقاهي والاسواق الشعبية والحانات، وربما في مواعيدهم الغرامية وجلسات الأنس. الحقيقة ماثلة أمام الجميع، وعلى البرلمان أن يصدر قرارا خاصا بالزام جميع المؤسسات بالشفافية ونشر اسماء موظفيها على مواقعها الرسمية، ويلزم السفارات واللجان والبعثات بالخارج بعدم توظيف أقرباء من الدرجة الأولى والثانية للسفير أو رئيس البعثة، ومنع استغلال الامتيازات الدبلوماسية خارج العمل، والمحافظة على حقوق المواطنين الليبيين خارج البلاد ومنع الابتزاز والسرقات التي تتم تحت مسميات واهية. انسانياً لا ينبغي على الساسة والدبلوماسيين استغلال ازمة البلاد، وتكديس الاموال بحساباتهم واستخدام امتيازاتهم لخدمة اقاربهم واصهارهم، ولا ينبغي على البرلمان أن يتغاضى عن مثل هذه الخروقات بسبب غرق نوابه في وحلها أو ممارستهم لها بحجج غير مقنعة. فان كانت الوطنية سلعة للتجارة وسمفونية بائسة تتلى أمام الكاميرات ويتشدق بها من يضعون اخوانهم وابنائهم وأحياناً أباءهم في اللجان ويوظفونهم بمراكز عليا ويوفرون لهم الخدمات، ويمكنون حتى دواجنهم من السفر والعلاج، في حين يعاني أغلب الشعب الليبي من غياب الرعاية الصحية بالداخل وتردي الاوضاع ويعاني من عدم وجود تكافؤ الفرص للعلاج بالخارج. نداء أخير للمتسلطين على رقاب الشعب الليبي من برلمانيين وساسة ووزراء وسفراء ورؤساء ومدراء: ايقظوا ضمائركم، وكونوا أهلاً لما كلفتم به ولا تستغلوا ثقة الشعب أو تستهينوا به فأنتم صنيعته ولستم مؤلهين!