×
محافظة المنطقة الشرقية

تعافي الدولار وسط تداولات ضعيفة

صورة الخبر

ما زلت أتساءل مع كل هذه المفجعات التي تنزل ببلاد العرب، هل من سبيل للدفاع عن حقنا في الحياة في حرية وكرامة وأمن؟ هل من سبيل للخروج من متواليات الاستبداد والإرهاب والجهل التي تخضعنا لطغيانها الأسود؟ هل من سبيل للخلاص، والعالم من حولنا يغرق في أزمات نظم ديمقراطية تتحلل وديكتاتوريات تصعد على إيقاع مقولات فاشية وعنصرية وخطاب كراهية ومجتمعات تتعمق بها الهوة السحيقة الفاصلة بين من يملكون ومن لا يملكون؟ هل من حلول؟ قبل السنوات الثلاث الماضية، حضرت إجابات واضحة وبدت متماسكة معرفياً وأخلاقياً. حكم القانون والتداول السلمي للسلطة هما شرطا "البداية الجديدة" لبلدان العرب، ونتائجهما ستتمثل في انفتاح سياسي وعدالة اجتماعية وصون لحقوق وحريات المواطنين ومساواة بينهم دون تمييز. التنمية المستدامة التي تطلق المبادرة الفردية وقوى السوق وتفرض على المؤسسات العامة والخاصة التزام قواعد الشفافية والمساءلة، والتحول الديمقراطي المدار عبر انتخابات دورية وآليات للرقابة والتوازن بين السلطات ومنظومة للعدالة الانتقالية تصارح قبل أن تحاسب بشأن جرائم وانتهاكات وفساد الماضي، والمجتمع التعددي والمتسامح المتجاوز لحروب الطوائف وصراعات الهوية والمنفتح على الآخر الديني والعرقي والقبلي هي معاً وجهة المستقبل القريب الذي نرنو إليه. قبل السنوات الثلاث الماضية، لم يكن الجزع يعبث بعقلي حين تحدث أنباء بلاد العرب عن تعثر لبناء حكم القانون وغياب لتداول السلطة في ظل سطوة المستبدين أو تخبر عن التهافت الشديد لإجراءات الانفتاح السياسي والعدالة الاجتماعية المحدودة أو تثبت امتداد نيران الحروب الطائفية والصراعات الأهلية إلى خرائط إضافية. حينها، كانت مقاومة الجزع ممكنة إن بالتعويل على الانتشار الحثيث للوعي بأهمية صون حقوق الإنسان والحريات بين المحيط والخليج أو بتعميم التفاؤل بالبواكير الناجحة للانتفاضات الشعبية في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وسوريا أو بالتحصن بأفضلية الديمقراطية على كافة أنماط الحكم الأخرى وبتفوقها التاريخي الراسخ مقارنة بالفاشيات وبنظم الاستبداد العسكري والاستبداد الديني والاستبداد القبلي، وبكونها تنتصر لعموم الناس ولكرامتهم في وجه نخب رجعية وفاسدة. في السنوات الثلاث الماضية، تراجعت الإجابات الواضحة واهتز تماسكها المعرفي والأخلاقي ونفذ الجزع إلى العقل عبر خانات شخصية ومساحات غير شخصية عديدة. بعيداً عن تونس، لم تقضِ الانتفاضات الشعبية في 2010 و2011 و2012 على المظالم وانتهاكات الحقوق والحريات. فبينما عانت مصر من جرائم العنف الرسمي والعنف الأهلي والعنف الطائفي وشهدت في محمد محمود (1 و2) وماسبيرو ومن حولها وفي غيرها تورطاً صريحاً للحكم في جرائم قتل وتعذيب واختفاء قسري، انقلبت انتفاضات الناس في ليبيا واليمن إلى حروب أهلية وجرائم إرهابية وحروب إقليمية بالوكالة، وفي البحرين إلى تدخل خليجي لحماية الاستبداد وفي سوريا إلى حرب إبادة يشنها ديكتاتور دموي ومعه راعيه الروسي - الإيراني على شعب نشد الحرية مستغلاً اختراق عصابات الإرهاب للبلاد وتمددها في جهاتها. ثم كان أن انسحبت مصر من المحاولة الديمقراطية في 2013 وانقلبت على أعقابها مجددة لدماء السلطوية وسط أجواء شعبية فاشية وتعميم لنهج الصوت الواحد والرأي الواحد وانتهاكات غير مسبوقة للحقوق والحريات، وكذلك جاء الانهيار الشامل للدولة الوطنية وللسلم الأهلي في ليبيا واليمن وصارت سوريا أرض دماء ودمار وإرهاب ومأساة ملايين اللاجئين ومئات الآلاف من سكان المنافي. إزاء مشاهد الافتتان الشعبي ببدايات السلطوية الجديدة في مصر بات التحصن بانتصار الديمقراطية لعموم الناس كالحرث في البحر، صار توقع حدوث نجاحات فعلية لبناء حكم القانون وتداول السلطة والتحولات الديمقراطية بعد إزاحة المستبدين مدعاة للاستهجان المعرفي والأخلاقي على وقع الكارثة الليبية واليمنية. ومن توالي فصول مأساة الشعب السوري والاستمرارية المخجلة للصمت العالمي، أضحت مواجهة حديث المستبدين المكرور "إما أنا أو الطوفان" على نحو يكتسب تأييد قطاعات شعبية مؤثرة ويقنعها بعدم الانقلاب على الفكرة الديمقراطية أشبه بالصراع الأورويلي بين "قوات حفظ النظام" المدججة بالسلاح وبين المدافعين عن الحق والحرية بالكلمة والقلم. في السنوات الثلاث الماضية، جيء بالحسرة الشخصية على أصدقاء وزملاء ودعاة حق وحرية أسقطتهم كضحايا جرائم سلب الحرية والقمع والتعذيب والاختفاء القسري والتعقب من أحمد ماهر وهشام جعفر إلى حسام بهجت وجمال عيد وبالحسرة العامة على ما آل إليه حال بلاد العرب التي لم يعُد لها من حقائق كبرى غير الدماء والدمار والظلم ولم يتراجع بها طغيان متواليات الاستبداد والإرهاب والجهل، جيء بالحسرتين لكي ينفذ إلى العقل المزيد من الجزع والتشكك في سبيل الخلاص. فقط قبل أيام، رحل صاحب كتاب "نقد الفكر الديني" الدكتور صادق جلال العظم في منفاه الألماني موصياً بإلقاء رماد جسده في "بحر بيروت عله يجد طريقاً للوصول إلى سوريا" (على ما أشار الأديب إلياس خوري). فقط قبل أيام، تفقد الجنرال الإيراني قاسم سليماني حلب المدمرة في مشهد يتماهى مع مشاهد تجول جنرالات النازيين في خرائبهم الأوروبية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين. فقط قبل أيام، واصلت السلطات المصرية إغلاق "مكتبات الكرامة" لتضيف إلى السجل الأسود لانتهاكات الحقوق والحريات ومحاربة العقل والوعي جريمة جديدة. فقط قبل أيام، مات الصحفي الجزائري محمد تامالت بعد إضرابه عن الطعام احتجاجاً على سلب حريته بتهمة إهانة رئيس الجمهورية. فكيف لي في معية كل هذه المفجعات، مقدماتها وخواتيمها التي حتماً سيتبعها المزيد، بإجابات واضحة على سؤال سبيل الخلاص؟ كيف لي بحديث متماسك معرفياً وأخلاقياً عن حكم القانون وتداول السلطة وصون الحقوق والحريات وجميع ذلك يهدر يومياً في بلاد العرب؟ كيف لي بترويج مقنع للتنمية المستدامة والتحول الديمقراطي كوجهتي المستقبل القريب ومتواليات الاستبداد والإرهاب والجهل في طور صعود عربي؟ كيف لي بدفاع عن أفضلية الديمقراطية وتفوقها التاريخي وأهل النظم الديمقراطية المستقرة يهجرونها ويضعون رهاناتهم على أصوات التطرف والفاشية والعنصرية؟ لا شيء معي سوى تساؤلات ناقصة وإجابات غائبة. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.