سأحكي لكم اليوم قصةً حقيقية حصلت قبل سنواتٍ معدودةٍ، وهي قصة مايكل. البريطاني مايكل كارول عَمِلَ قَمّاماً يجمع النفايات من الشارع، ووضعه المالي سيئ. اشترى عام 2002م بطاقة يانصيب، وبعد فترة لما أُعلِنَت النتائج لم يصدق عينيه لما اكتشف أن بطاقته هي التي فازت، وبين يوم وليلة انضم إلى طبقة الأثرياء بعد أن هبطت عليه ثروة قدرها 9 ملايين دولار أمريكي، فقال إنه لن يضيع مالَه ولن يشتري غير بيتٍ صغير بجانب النهر ليصيد السمك، لكن لم يكفِه هذا فيما يبدو، فاشترى سيارة فاخرة، ثم أخرى، ثم اشترى 5 كلاب من نوع روتوايلر الضخمة، ثم أخذ يصرف ماله يمنة ويسرة على المخدرات والجواهر والقمار حتى أفلس، وما هي إلا سنوات معدودة حتى عاد قَمّاماً في شوارع بريطانيا من جديد. قصة مايكل ليست فريدة من نوعها بل يَكثُر وجودها في نوعية معيّنة من الناس، وهي نوعية المتعجّلين. أثناء الطفولة يستعجل الإنسان كل شيء، فإذا رأى لعبة أو حلوى أرادها فوراً وفي تلك اللحظة، وإذا حُرِمَها بكى. لكن بعض الناس لا يتخلى عن هذه الخصلة السيئة، ويكبر ويتمسّك بها، وهي خصلة مُضيعة للمال مُفسِدة للحياة، وحتى التجارب المدروسة تُظهِر هذا، وخذ مثالاً دراسة صُنِعَت عام 1972م، فأخذ باحثون بعض الأطفال المتطوعين ووضعوهم في غرفة فيها طبق من الحلوى وأنبأوهم أنهم يستطيعون أكل الحلوى فوراً إذا أرادوا، أو يمكنهم أن ينتظروا ليحصلوا على حلوى أفضل وألذ، ثم انسحبوا من الغرفة وراقبوا الأطفال عن بُعد ورأوهم وقد افترقوا إلى فريقين، فريقٌ انقضَّ على الحلوى يلتهمها بِنَهم و فريق جاهد نفسه وصبر عنها لينال الحلوى الفاخرة، وكانت تجربة شيقة وشهيرة، وقادت إلى تجربة أكبر قام بها باحثون عام 2011م أرادوا فيها قياس نفس الفكرة، فأخذوا متطوعين - كِباراً هذه المرة - ممن كان مالُهم بين القليل إلى المتوسط، وأعطوهم استبياناً عن دَخْلهم وضرائبهم وكان فيه سؤال يخيّرهم بين أن يحصلوا على إعفاءات من الضرائب فورية لكن صغيرة وبين أن تكون الإعفاءات متأخرة وكبيرة، وأخذوا إذناً منهم أن يدْرسوا تاريخهم المالي، فكانت النتيجة أن أصحاب الدخل السيئ والديون الكثيرة والمشاكل المالية هم أكثر من اختار المال الفوري، وأظهرت التجربة أن هناك رابطاً بين من يستعجلون طيباتهم وأرزاقهم وبين الفشل المالي وسوء إدارة الرزق. الصبر مهم، والتأنّي سبيلٌ إلى الخير، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه: إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة.