مارك زوكربيرج الرئيس التنفيذي والمؤسس المشارك لموقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك يتحدث خلال منتدى التنمية الصينية الذي عقد في قصر ضيافة الدولة (دياويوتاي) 19 مارس 2016 في بكين )غيتي) بكين تسيطر على وسائل التواصل الاجتماعي وتراقب خطاب المواطنين •ارتفاع مليون عدد مستخدمي الإنترنت في الصين إلى 700 مليون يجبر مؤسس «فيسبوك» التخلي عن بعض «القيم الغربية» نيويورك: إيملي باركر على الرغم من رغبة الحكومة الصينية في السيطرة على وسائل الإعلام الاجتماعي وما يفعله الناس بها، قررت «فيسبوك» الذهاب إلى الصين. بالنسبة لشركات الإنترنت الأميركية، تمثل الصين أرض الهزيمة الأخلاقية. حيث كان العديد من الناس يتمنون أن تحد شركات التكنولوجيا الغربية من سيطرة الصين على المعلومات، ولكنها بدلا من ذلك، شاركت بمحض إرادتها في مساعي مراقبة خطاب المواطنين. منحت شركة «ياهو» السلطات الصينية المعلومات حول نشطاء ديمقراطيين، مما أسفر عن وضعهم في السجون. كما أغلقت «مايكروسوفت» مدونة الناشط المرموق الذي يشتهر بدفاعه عن حرية الإعلام مايكل أنتي. كما كانت «غوغل» تغربل نتائج البحث التي تمثل حساسية سياسية بالنسبة للصين. وفي عام 2006، مثلت تلك الشركات الثلاث أمام الكونغرس الأميركي بعدما اتهمهم رئيس أحد اللجان الفرعية بأنهم يقدمون «تعاونا مذموما» مع الحكومة الصينية. وفي عام 2010، أغلقت «غوغل» أكبر محركاتها البحثية في حركة احتجاجية على الرقابة والأمن الإلكتروني بالبلاد. ومن جهة أخرى، تم حجب موقع «فيسبوك» في الصين في عام 2009 ومنع استخدام تطبيق إنستغرام لمشاركة الصور في 2014. كنت أعتقد دائما أنه من المستحيل أن تسعى الشبكة الاجتماعية لدخول المغامرة الصينية وحدها. وعلى الرغم من أن بعض الخبراء الصينيين ما زالوا يعتقدون أن ذلك صحيح، بات من المرجح أن تدخل «فيسبوك» الصين قريبا. وذلك حيث لمح مؤسس «فيسبوك» ومديرها التنفيذي، مارك زوكربرغ لبكين بأنه مستعد لأن يفعل ما يقتضيه الأمر لكي يدخل البلاد. ويدرك من لديهم دراية جيدة بالشركة أن ذلك سوف يحدث. فيقول تيم سباراباني، الذي كان أول مدير للسياسات العامة في «فيسبوك» ويعمل حاليا كبير مستشاري شركة استشارات «إيه سي كيو آر»: «لم يعد الأمر محتملا فالسؤال حاليا حول التوقيت». وعلى الرغم من أن شركة «فيسبوك» رفضت التعليق حول تلك الخطط، كان زوكربرغ قد قال العام الماضي: «إذا كان هدفك أن تجعل الجميع متصلا ومتواصلا فلا يمكن تجاهل أكبر دولة في العالم». وبعد عقد من دخول «غوغل» الطموح، والذي لم ينته نهاية جيدة، إلى الصين، ربما تتطلع شركات الإنترنت الأميركية للسوق الصينية باعتبارها سوقا واعدة وإن كانت عصية على الاختراق. فقد ارتفع عدد مستخدمي الإنترنت في الصين حتى وصل إلى نحو 700 مليون، وهم يمثلون موردا كبيرا ومهما للشركات الأميركية التي لديها أسواق داخلية متشعبة وشديدة التنافسية. ولكن في الوقت نفسه، تتزايد محاولات الحزب الشيوعي للسيطرة على المعلومات. فبالإضافة إلى «الحائط العظيم» الذي يمنع المستخدمين من الدخول على المواقع الأجنبية، هناك جحافل من المراقبين، تعينهم شركات الإنترنت، لمراقبة المدونات المحلية والشبكات الاجتماعية. وفي ظل تلك الأجواء سيكون على الشركة الأميركية أن تتنافس مع شركات الإنترنت الصينية العملاقة. جدير بالذكر أن تطبيق الرسائل «وي شات» الذي تقدمه الشركة العملاقة «تنسينت» لديه مئات الملايين من المستخدمين. ومن الواضح أن زوكربرغ يعتقد أن الصين تمثل سوقا تستحق عناء التجربة حتى إن كان ذلك يعني التخلي عن بعض «القيم الغربية» على أبواب الصين. نسخة صينية من «فيسبوك» تخضع للرقابة ففي وقت سابق من العام الحالي، سافر زوكربرغ إلى بكين وعقد اجتماعا رفيع المستوى مع رئيس الآلة الإعلامية الصينية، ليو يونشان. وأفادت الصحف الصينية بأن مؤسس «فيسبوك» أثنى على تقدم الإنترنت في الصين وتعهد بالعمل مع الحكومة لخلق فضاء إلكتروني أفضل. وبدوره، شدد ليو على مفهوم حوكمة الإنترنت «بخصائص صينية». وكانت الترجمة واضحة: نسخة صينية من «فيسبوك» تخضع بالطبع للرقابة. وكانت الرحلة التي قام بها خلال العام الماضي حلقة أخرى في المسيرة. ففي عام 2014، تمت استضافة وزير إدارة الفضاء الإلكتروني بالصين، بمكاتب «فيسبوك». وبالصدفة كان كتاب الرئيس الصيني شي جين بينغ «حوكمة الصين» على مكتب زوكربرغ. وتضمنت حالة التودد تلك لحظات غريبة. فعندما نشر زوكربرغ صورة لنفسه وهو يركض مبتهجا في شوارع ميدان تيانانمين الذي يغلفه ضباب التلوث خلال العام الحالي، سخرت منه وسائل الإعلام الاجتماعي الصينية. ولكن بصفة عامة، كان زوكربرغ يقوم بالخطوات الصحيحة، وفقا لما قاله شنغ لي، مدير مركز جون ثرونتون بمعهد بروكينغز. فيقول: «يلقي الزعماء الصينيون اهتماما كبيرا بالعلاقات الشخصية. فهم يعتقدون أن مارك زوكربرغ صديق للصين. فهو شخص ناجح. وتربطه علاقات ودية بالصين. كما أن زوجته صينية. ويتحدث الصينية. فما الذي يمكنه عمله أكثر من ذلك؟» في خدمتك وما زال على «فيسبوك» أن يتجاوز شكوك بكين المتعلقة بأن شركات الإنترنت الأميركية يمكنها زعزعة استقرار حكم الحزب الشيوعي. كما لم تقدم المنابر الإعلامية التي وصفت الربيع العربي بأنه «ثورة الفيسبوك» خدمة للشركة. بالإضافة إلى أن الوثائق التي سربها إدوارد سنودن عززت الشكوك الصينية حول وجود «أبواب خلفية» لشركات التكنولوجيا الأميركية. ولكن احتمالية أن تساعد «فيسبوك» الشركات الصينية على أن تصبح شركات عالمية يمكنها أن تدفع بكين إلى النظر إلى الشركة على نحو إيجابي. فهي تنشر بالفعل إعلانات الشركات الصينية لكي تروج لمنتجاتها خارج البلاد، ويمكن أن يساهم إنشاء نسخة من «فيسبوك» في الصين في تعزيز العلاقات بين الشركات الصينية والعملاء بالخارج. كما أن حقيقة أن الصين لديها الآن شركات تواصل اجتماعي ناضجة تجعل الحكومة أقل تخوفا من «فيسبوك»؛ فمن المستبعد أن تحل الشركة محل الشركات المنافسة مثل «وي شات» التي تسيطر على الصين إلى حد كبير. ولا يستخدم الناس ذلك التطبيق فقط للتواصل ولكنهم يستخدمونه للشراء ولاستئجار عربات الأجرة وحجز المواعيد لدى الطبيب. وفي أميركا يمكنك أن تقول إنك ليس لديك حساب على «فيسبوك» وتظل عضوا فاعلا في المجتمع ولكنّ تجنب الدخول على «وي شات» في الصين أمر شديد الصعوبة. سوق الإنترنت الصيني كما أن «فيسبوك» ليست مضطرة لأن تقضي على «وي شات» لكي تتمكن من النجاح؟ حيث إن الحصول على حصة صغيرة نسبيا من سوق الإنترنت الهائل بالصين يمكنه أن يحقق عائدات كبيرة. ويمكن للشركة الأميركية أن تصبح مختلفة من خلال تقديم جسر مع العالم الخارجي. فيقول تشينغ من معهد بروكينغز: «لا تستطيع (وي شات) أن تنافس في ذلك المجال. فـ(فيسبوك) شركة عالمية و(وي شات) شركة صينية». وتستطيع «غوغل» أن تعتمد على الحجة نفسها. فعلى الرغم من إغلاق محركها البحثي في الصين في عام 2010، فما زالت «غوغل» تبيع الإعلانات إلى الصين. فيقول لوكمان تسوي الرئيس السابق لحرية التعبير في آسيا والمحيط الهادي بشركة «غوغل» الذي يعمل حاليا أستاذا مساعدا بالجامعة الصينية بهونغ كونغ: «إذا أرادت شركة صينية أن تصل إلى الجماهير العالمية، ستصبح (غوغل) خيارا جيدا». وفي يونيو (حزيران) الماضي، قال سوندار بيتشاي المدير التنفيذي لشركة «غوغل» إنه يرغب في أن تعود الشركة إلى البلاد. «نريد أن ندخل الصين، ونخدم المستخدمين الصينيين». فيما قال تسوي إن هناك «إشاعات» حول احتمالية دخول «بلاي ستور» الصين (ولكن الشركة رفضت التعليق). كما أن نظام تشغيل الأندرويد الذي أنتجته «غوغل» هو نظام ذو شعبية كبيرة في الصين ولكن قدرة الشركة على الحصول على عائدات منه محدودة نظرا لأنه غير متاح هناك. ومن جهة أخرى، يمثل التاريخ المضطرب للعلاقة بين الشركة وبكين معضلة كبرى. فيقول كريسر كيو، المدير السابق للاتصالات الدولية بمحرك البحث الصيني «بايدو» والذي يعمل كمقدم برامج في شركة إعلامية صينية «سابتشاينا»: «لا يمكن الوثوق بهم». ويعتقد كيو، وهو من الأصوات المرموقة في قضايا الإنترنت الصيني أن آفاق دخول «فيسبوك» إلى الصين مبشرة للغاية. فيقول: «من المرجح أن تقدم الشركة جانبا كبيرا من خدماتها خلال العام المقبل. وهناك اتصالات على مستوى رفيع بين كبار المسؤولين الصينيين وقيادات شركة (فيسبوك). ولا يمكن تجاهل هذه الإشارات». التعامل مع الواقع إذا حصلت «فيسبوك» على الضوء الأخضر من بكين، ستظل هناك أسئلة حائرة حول الشروط التي ستقترن بتلك الموافقة. فهل سيكون عليه التعاون مع شريك صيني؟ هل ستطلب الحكومة أن تخزن «فيسبوك» البيانات داخل الصين لكي تسهل عملية إطلاع السلطات على تلك البيانات؟ كما أن هناك بعض التحديات الفنية الواضحة للغاية. حيث إن «فيسبوك» ترغب في أن تجعل الجميع متصلين عبر الشبكة العالمية ولكنها ستضطر إلى تقديم تجربة مختلفة للمستخدم الصيني عن تلك التي تقدم لأصدقائهم في البلدان الأخرى. فيقول سباراباني، المدير السابق للسياسات في «فيسبوك» إن ذلك ليس صعب التحقيق، مضيفا: «يمكنك وضع سياج جغرافي حول أي شيء. فعلى سبيل المثال، تقوم (فيسبوك) من وقت لآخر بتغيير ما يراه الناس في مناطق مختلفة حول العالم في بعض الأحيان. ففي عام 2015 منعت الشركة حسابات المستخدمين في فرنسا، فقط في فرنسا، من رؤية صورة لضحايا عمل إرهابي. وفي العام نفسه، تم حجب صورة ولد يبول على العلم الهندي داخل الهند فقط. وبناء على طلب من لجنة القمار بالمملكة المتحدة تم منع مستخدمي المملكة المتحدة من الدخول على الجماعات التي تبيع سحوبات اليانصيب». ومن المرجح أن تثير الرقابة الصينية على النشطاء الموالين للديمقراطية المزيد من الجدل. حيث تثير بالفعل رغبة زوكربرغ في دخول الصين جرس الإنذار، فقد تزامنت زيارته الأخيرة إلى بكين مع تغريدات تحت هاشتاغ يسب زوكربرغ. ولكن من الواضح أن زوكربرغ ليس مهتما. فإذا كان زوكربرغ قد شعر بقدر من القلق لم يكن ليطلب من الرئيس الصيني أن يمنح ابنه اسما صينيا. دائما كان زوكربرغ يكرر أن «فيسبوك» موجود «لكي يجعل العالم أكثر اتصالا وانفتاحا». وتعد الصين جزءا أساسيا من تلك الخطة. وكانت «غوغل» تستخدم حججا مماثلة عندما ذهبت إلى الصين في 2006: فمن الأفضل أن نكون هنا. فالمزيد من التواصل أمر جيد حتى إذا كان عليك تقديم بعض التضحيات مثل المشاركة في الرقابة الصينية. فهل سيتقبل الأميركيون تلك الحجة؟ ربما لا. فسوف يكتب الصحافيون مقالات ساخرة، ويطلق النشطاء ومستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي تغريدات ساخرة وغاضبة. وربما يعبر المسؤولون الحكوميون عن قلقهم. ولكن الناس سوف تستمر في استخدام «فيسبوك».(فورين أفيرز)