خلقت إحالة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية إلى مجلس النواب واقعا قانونيا جديدا لهذا الملف، فبعدما كانت القضية محصورة فى المسار القضائى بين مجلس الدولة القضاء الإدارى والإدارية العليا، والأمور المستعجلة والمحكمة الدستورية، أصبحت مرتبطة فى الأساس بالبرلمان باعتباره السلطة التشريعية المختصة بالتصديق على الاتفاقيات الدولية. وقالت مصادر حكومية إن الاتفاقية ستحال إلى لجنة الشئون الدستورية والتشريعية بمجلس النواب لإعداد تقرير مبدئى فى الاتفاقية، وسيكون عليها أن تحدد طريقة التعامل مع الاتفاقية وتصنيفها، وفقا للحالات الواردة فى المادة 151 من الدستور، حيث سيتم فحص ما إذا كانت الاتفاقية مرتبطة بحقوق السيادة فلا يجوز التصديق عليها إلا بعد إجراء استفتاء شعبى وموافقة الشعب عليها، وما إذا كان سيترتب عليها التنازل عن أى جزء من إقليم الدولة فيصبح التصديق عليها محظورا، وهذه الحالة الأخيرة هى التى طبقتها محكمة القضاء الإدارى على الاتفاقية. وأضافت المصادر أن ملف الاتفاقية الذى سيفحصه البرلمان سيتضمن جميع الوثائق التاريخية التى قدمتها هيئة قضايا الدولة للمحكمة الإدارية العليا، ومنها ما يثبت ممارسة السعودية مظاهر سيادة على جزيرتى تيران وصنافير منذ ثلاثينيات القرن الماضى وأن مصر بسطت سيادتها على الجزيرتين وأدارتهما باتفاق ثنائى ارتباط بحالة الحرب مع إسرائيل والحفاظ على عروبة مضيق تيران وخليج العقبة. وأوضحت المصادر أن الملف سيتضمن أيضا جميع الأحكام القضائية التى صدرت فى القضية، وعلى رأسها حكم بطلان التوقيع والأحكام المتناقضة من القضاء الإدارى والأمور المستعجلة بشأن تنفيذ الحكم، بالإضافة لتقرير هيئة مفوضى المحكمة الإدارية العليا الذى أوصى برفض طعن الحكومة على حكم البطلان، باعتبارها وثائق ضرورية لدراسة الحالة. وبذلك سيكون البرلمان أمام 4 سيناريوهات فيما يتعلق بالاتفاقية: الأول: الموافقة المجردة على الاتفاقية باعتبارها معاهدة دولية عادية لترسيم الحدود البحرية، وإرسال الموافقة لرئيس الجمهورية تمهيدا للتصديق عليها وإصدارها ليكون لها قوة القانون. الثانى: تصنيف الاتفاقية كمعاهدة تتعلق بحقوق السيادة التى مارستها مصر لنحو 70 عاما على جزيرتى تيران وصنافير، وبالتالى مطالبة الرئيس بدعوة الناخبين لاستفتاء على التنازل عن الجزيرتين، وفى هذه الحالة لا تكتسب الاتفاقية مركزها القانونى الملزم إلا بعد موافقة الشعب فى الاستفتاء. الثالث: رفض الاتفاقية للأسباب التى استند إليها القضاء الإدارى، ومطالبة الحكومة بإعادة التفاوض مع الحكومة السعودية بما يحافظ على سيادة مصر على الجزيرتين أو إحداهما. الرابع: وهو الأضعف ــ وفقا لحديث النواب والمصادر الحكومية ــ أن يرفض البرلمان تلقى الاتفاقية، باعتبارها ملغاة بموجب حكم قضائى نافذ لم يتم إلغاؤه أو وقف تنفيذه على النحو الصحيح حتى الآن. وإذا صدرت الاتفاقية وفقا للسيناريو الأول أو الثانى، فإن الرقابة القضائية عليها ستكون للمحكمة الدستورية العليا وحدها، ولن يكون هناك مجال للاحتجاج بأى أحكام أخرى، وهنا تبرز سابقة قضائية هى حكم الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإدارى الصادر فى 28 مايو 2013 فى الدعوى 12300 لسنة 67 عندما أحالت المحكمة القرار الجمهورى 335 لسنة 2002 بالتحاق مصر بالاتفاقية الأورومتوسطية إلى المحكمة الدستورية العليا لما تضمنته من شبهة عدم دستوريته فى المادة 69 منها. حيث كان مواطن قد طعن بعد 9 سنوات من تصديق مجلس الشعب على قرار توقيع مصر على هذه الاتفاقية، على تلك المادة لأنها تنص على جواز إبرام اتفاقيات لإعادة توطين مواطنى دولة ثالثة على الأراضى المصرية دون إشهار هوية هذه الدول المحتملة، متخوفا من أن تكون هذه الاتفاقية سند لتوطين الفلسطينيين فى مصر. وآنذاك رفضت المحكمة الحكم بعدم اختصاصها بنظر الدعوى، وأحالتها إلى المحكمة الدستورية العليا للفصل فى دستورية المادة 69، باعتبار أن المحكمة الدستورية هى المختصة بالرقابة القضائية على الأعمال التشريعية، مما يفتح احتمال إحالة قضية تيران وصنافير إلى المحكمة الدستورية مرة أخرى، إذا طعن أحد المواطنين على اتفاقية ترسيم الحدود بعد التصديق عليها أمام محكمة القضاء الإدارى. يذكر أن المحكمة الدستورية أمامها بالفعل دعوى منازعة تنفيذ أقامتها الحكومة باعتبار حكم بطلان التنازل عن الجزيرتين يتناقض مع أحكام سابقة بشأن الرقابة القضائية على أعمال السيادة، كما يمكن أن تلجأ إليها الحكومة أيضا لفض التنازع بين الأحكام المتناقضة الصادرة من مجلس الدولة والأمور المستعجلة بشأن تنفيذ الحكم.