سلاح الضعفاء يمينة حمدي لم تجد صديقتي سببا يبرّر ما يُقدم عليه ابنها البكر من سلوك عدواني تجاه إخوته الأصغر منه سنا، فهو دائم التنمر والاعتداء عليهم بالضرب، ويتعمّد دائما تنغيص حياتهم وحياتها بهرجه ومرجه، ولم يعد تقريعها المتواصل ولا عقاب والده المبرح يجديان نفعا معه. وبالرغم من أنها عرضته على طبيب نفسي، إلا أن حاله لم تتغير إلى الأفضل، وهذا الأمر يجعلها تشعر بالتأزم والخوف، من أن يكبر العنف مع ابنها، ويصبح سلوكا ملازما له، ويدفعه إلى ارتكاب حماقات تدمّر مستقبله. وهي محقة إلى حدّ ما، فعندما يعجز الآباء عن معرفة أسباب نزوع أطفالهم نحو السلوك العدواني، بهدف السعي مبكرا إلى السيطرة عليه، فإن العنف قد يصبح كلما تقدم الأطفال في العمر من الطباع المسيطرة عليهم، وقد يشكل خطرا عليهم وعلى المحيطين بهم. ولكن يبدو أن صديقتي قد نسيت أن سلوك ابنها العدواني لم ينشأ دون محفزات، فلطالما سمعتُها في العديد من المناسبات، تلقنه دروسا في كيفية الانتقام من الأطفال الذين يعتدون عليه، وتعلمه كيفية الرد عليهم بالمثل، ولعله السبب الحقيقي الذي جعل ابنها يعتقد أن الاعتداء بالعنف على غيره سلوك مقبول ومرغوب فيه اجتماعيا، فمارسه على إخوته. ولذلك، فمن الضروري أن تعيد صديقتي النظر في دوافع عنف ابنها، حتى تتبدّد حيرتها، وتقوّم سلوكه قبل فوات الأوان. عليها أن تدرك أن الطفل لا يملك نزعة عدوانية فطرية تجاه غيره، ولكن من خلال حواره الدائم والمتواصل مع القائمين على رعايته، يكون في حالة تأهب دائم للتفاعل مع كل الإشارات والرسائل التي تنقلها إليه لغتهم وأقوالهم وأفعالهم، ومنها يتعلم القسوة والأذى، خاصة إذا وجد التشجيع والتساهل مع هذا النوع من السلوك، ومع الوقت يصبح ضالعا في ابتكار حيل لها علاقة بالاعتداء على الآخرين وأذيتهم، وقد تصبح تلك الحيل أكثر قسوة وألفة للاستخدام، عندما يحين وقت نزاعه الحقيقي مع الغير على أرض الواقع. من السائد أن يميل الطفل في سنوات عمره الأولى إلى أسلوب “العض”، أو ضرب من يعتدي عليه بأي شيء أو يطرحه أرضا، وجميعها طرق دفاعية عن النفس وليست نزعة عدوانية، أما عند بلوغه الأربع سنوات، فإن ردة فعله تكون مختلفة تماما، فعادة ما يبدأ بالاستفسار ثم الاحتجاج، وقد يردّ العدوان في ما بعد، وهذا يؤكد أن الطفل ليس عدوانيا بطبعه، بل بيئة الأسرة والمجتمع هي التي تؤثر سلبا على سلوكه الاجتماعي وتقولبه منذ نشأته. وقد كشفت نتائج الأبحاث التي أجريت على سلوك بعض الأشخاص، المشخصين طبيا على أنهم يمتلكون درجات عالية من العدوانية والقلق في طباعهم، أن بيئة الأسرة تلعب دورا كبيرا في تقليل التعاطف مع الآخرين والحدّ من حساسية الفرد تجاه العنف. كما تعدّ وسائل الإعلام التفاعلية من أخطر المؤثرات في سلوك الأشخاص، فالتعرض المتكرر لمشاهد العنف، يترك أثرا على المدى البعيد، وقد يؤدّي إلى ارتكاب الجريمة والسلوك العنيف الذي لا يترك أثرا دائما على الأطفال وأسرهم فحسب، وإنما كذلك على مجتمعات ودول بأكملها. ونستطيع أن نفهم من خلال ظاهرة العنف المستفحلة في مجتمعاتنا، أن الأسرة العربية قد تخلت عن دورها التربوي في تعليم أبنائها معنى التسامح والتعايش السلمي مع الآخر. وأعتقد أنه ليس من العيب في شيء أن يعلّم الآباء أبناءهم كيف يحبون أنفسهم ويحمونها ويحافظون عليها، ولكن أسوأ شيء هو أن يعلموهم كيف يمارسون العنف على غيرهم، ويحفزوهم على حب أنفسهم بشكل مفرط، وهذا الأمر قد يصبح خطيرا جدا عندما يصل حبّ الذات إلى التقوقع عليها ونفي وجود الآخر. ولذلك، فالأسرة مطالبة بأن تعلم أبناءها كيف يحبّون أنفسهم لأنها موجودة مع الآخرين، وتحفزهم على حب الناس ومساعدتهم منذ الصغر، لأن ذلك سيصبح الوضع الافتراضي لعقليتهم عند الكبر، ومثل هذه القيم لا يمكن أن تتلاشى حتى في أسوأ الظروف وأحلكها. صحافية تونسية مقيمة في لندن باهر/12 شارك هذا الموضوع: Tweet RSSطباعةالبريد الإلكتروني معجب بهذه: إعجاب تحميل...