بين نسمات الصباح وزهور الربيع وزخات المطر وجبال الثلج، رحلة ساحرة انطلق بها الفنان علي أكبر مرادفر وفرقة دلكش في أنحاء إيران، من تراث شيراز وجبالها وأمطارها مروراً بفولكلور الأكراد والأتراك، وصولاً إلى الفن الشعبي الإيراني. كل ذلك جسدته هذه الفرقة من خلال معزوفاتها التي أعادت إلى الأذهان عبق المقامات الأصفهانية والموسيقى الصوفية في أمسية موسيقية قدمتها على مسرح مركز اليرموك الثقافي مساء الأربعاء الماضي. قدمت فرقة دلكش الإيرانية 16 مقطوعة موسيقية غنائية وسط حضور جماهيري ملأ قاعة المسرح، واستهلتها بمقطوعة «سلام»... هذه المقطوعة التي دائما يستمع إليها الناس في الصباح لتبث فيهم الحماسة من أجل العمل والشعور بالحيوية. وكان لافتاً أن هذه الأمسية مقسمة إلى جزأين، الأول منها ينطلق من مقام «جهاركاه» الذي يجسد الموسيقى الإيرانية والفن الشعبي الأصيل، بينما الجزء الثاني كان من خلال المقام الموسيقي «شو دشتي»، وهو يعبر عن الفولكلور في كل مناطق إيران، لا سيما البعيدة عن العاصمة، حيث يظهر جوهر الفولكلور في مناطق الجبال والأكراد والترك وغيرها من خلال موسيقى مرهفة الحس وعذبة الصوت. وعلى الرغم من محدودية الآلات الموسيقية التي تستخدمها الفرقة والتي كانت عبارة عن «السنتور» و«التار» و«الدف» و«التمباك»، إلا أن السر قد يكمن في ذلك. فصوتا «السنتور» و«التار» يشعرانك بتساقط الأزهار وهطول المطر ولون الثلج، فضلاً عن وصف الليل وسحره من خلال أغنية «شوم شوه». وكذلك أغنية «اوربهارون» التي تصف السحاب الممطر، وأيضاً «دهكردي» حيث تتحدث عن الرقص التراثي و«كابوكي» وسحر الجبال. وقد حركت الفرقة جنبات المسرح عندما قدمت «بلال بلال»، وهي من التراث الكردي الأصيل. تعتمد فرقة دلكش في ما تقدمه على نشر الثقافة الموسيقية الإيرانية من خلال تخت إيراني شرقي وآلات موسيقية إيرانية بحتة تهدف إلى نشر التراث والفولكلور الإيراني بكل ألوانه، معتمدة في ذلك على المقامات الموسيقية الإيرانية والفن الموسيقي القديم ودمج ما يسمى بالموسيقى الصوفية والعرفانية في بعض المقطوعات. لكن الأهم من هذا وذاك، هو لغة الأداء الغنائي والموسيقى التي كثيراً ما تلامس طبيعة المناطق والتضاريس الإيرانية، وهذا مكمن الجمال في الموسيقى التي تقدمها، بل هذا ما جعل النغمات التي تطلقها تصل إلى وجدان المتلقي بسهولة حيث يذهب مع هذه النغمات في كل منطقة وطبيعتها الجغرافية والمناخية. من جهته، أعرب الفنان علي أكبر مرادفر مؤسس فرقة دلكش ومعه ثلاثة من زملائه، عن سعادته بنجاح هذا الحفل. وقال: «هذه ليست المرة الأولى التي نقدم فيها أمسية موسيقية في الكويت، بل قدمنا من قبل في أكثر من مكان، لأن الفرقة قد تم تأسيسها في الكويت منذ خمس سنوات، وقدمنا حفلات في عدد من البلدان من بينها سريلانكا والإمارات العربية ولدينا رحلة إلى ألمانيا وإسبانيا خلال الأيام المقبلة»، مشيراً إلى أنه يطمح وزملاؤه إلى الوقوف على مسرح دار الأوبرا المصرية خلال الفترة المقبلة.