يدخل وقف إطلاق نار شامل في سوريا حيز التنفيذ منتصف ليل الخميس الجمعة، بموجب اتفاق روسي تركي وافقت عليه دمشق والفصائل المعارضة، تمهيدا لبدء جولة جديدة من المفاوضات لإنهاء النزاع المستمر منذ نحو ست سنوات. ويأتي هذا الاتفاق على ضوء التقارب الأخير بين موسكو حليفة دمشق وأنقرة الداعمة للفصائل المعارضة، في غياب أي دور للولايات المتحدة، التي كانت قد توصلت وروسيا إلى اتفاقات مماثلة سابقا لكنها لم تصمد. واعتبر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، اتفاق وقف إطلاق النار «فرصة تاريخية» لإنهاء الحرب في سوريا. وبعد لقاءات عدة في تركيا بين مبعوثين روس وممثلين للفصائل المعارضة، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم الخميس، التوصل إلى وقف لإطلاق النار ضمن إطار اتفاق بين النظام السوري وفصائل المعارضة يتضمن بدء محادثات سلام دولية مع تركيا وإيران في أستانا عاصمة كازاخستان. وقال بوتين خلال لقاء مع وزيري الدفاع والخارجية الروسيين، إن «حدثا انتظرناه منذ زمن وعملنا كثيرا من أجل التوصل إليه تحقق قبل بضع ساعات». وأبدى كل من الجيش السوري والفصائل المقاتلة والائتلاف السوري المعارض موافقتهم على وقف إطلاق النار تزامنا مع ترحيب الأمم المتحدة بالاتفاق، أملة أن يسمح بإيصال المساعدات للمدنيين. وتحدث وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو، عن سبع مجموعات تمثل 62 ألف مقاتل من «أبرز قوات» المعارضة، وقعت على اتفاق وقف إطلاق النار مع دمشق، بينها حركة «أحرار الشام» الإسلامية، التي تحظى بنفوذ. استثناء الإرهابيين .. ومنذ بدء النزاع السوري الذي تسبب خلال نحو ست سنوات بمقتل أكثر من 310 آلاف شخص، تم التوصل إلى اتفاقات عدة بين موسكو وواشنطن لوقف إطلاق نار شامل في سوريا، إلا أنها لم تصمد مع تكرار الانتهاكات وتبادل الاتهامات بين طرفي النزاع بإفشالها. وأكد بوتين وأردوغان خلال اتصال هاتفي الخميس، أهمية «تعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب»، مشددين وفق بيان للكرملين، على أن «وقف إطلاق النار لا يشمل مجموعات إرهابية وبالدرجة الأولى تنظيم داعش». وبحسب بيان الجيش السوري، «يُستثنى» من القرار «تنظيما داعش وجبهة النصرة الإرهابيان والمجموعات المرتبطة بهما». إلا أن أسامة أبو زيد، المستشار القانوني لفصائل المعارضة الذي شارك في المفاوضات مع الجانبين الروسي والتركي، أكد في مؤتمر صحفي في أنقرة، أن الاتفاق «يشمل جميع المناطق وجميع الفصائل العسكرية الموجودة في مناطق المعارضة السورية». وشدد أحمد رمضان رئيس الدائرة الإعلامية في «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية»، لـ«فرانس برس»، على أن «الاتفاق يستثني فقط تنظيم داعش، وتنظيمات إرهابية أخرى»، لكنه يشمل «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة سابقا قبل إعلانها فك ارتباطها مع القاعدة). وأوضح، أن الاتفاق يسري على «جميع المناطق التي تتواجد فيها المعارضة المعتدلة أو تلك التي تضم المعارضة المعتدلة مع عناصر فتح الشام، على غرار إدلب» في شمال غرب البلاد. محادثات أستانا .. وبالتوازي مع اتفاق وقف إطلاق النار، أعلنت موسكو بدء الاستعدادات لمحادثات سلام يفترض أن تعقد في أستانا قريبا، في يناير/ كانون الثاني، على الأرجح. وناقش بوتين وأردوغان اليوم الخميس، الجهود الجارية حاليا لتنظيم هذه المفاوضات. وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الخميس، «سنبدأ مع تركيا وإيران الإعداد للقاء أستانا»، مضيفا، أن موسكو مستعدة لدعوة مصر وتحاول جذب قوى إقليمية أخرى كالسعودية وقطر والعراق والأردن. وأشار كذلك إلى سعي موسكو لإشراك إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، الذي يتسلم مهامه الشهر المقبل، خلفا للرئيس الحالي باراك أوباما، الذي يبدو أن لا دور لإدارته في المفاوضات الجارية. ولم يحدد لافروف المجموعات المعارضة التي ستفاوض ممثلي الرئيس السوري بشار الأسد، على طاولة المحادثات. وأكد أبو زيد، بدوره، «التزام المعارضة بأن تشترك في مفاوضات الحل السياسي خلال شهر من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ»، وفق بنود الاتفاق، موضحا، أن وفد المعارضة سيكون «منبثقا عن الهيئة العليا للمفاوضات». وفي جنيف، أعرب مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستافان دي ميستورا، عن دعمه لمحادثات أستانا، أملا أن تساهم هذه التطورات في «استئناف المفاوضات السورية.. التي ستتم الدعوة إليها برعاية الأمم المتحدة في 8 فبراير/ شباط 2017». من جانبها، رحبت واشنطن بحذر بإعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقفا لإطلاق النار في سوريا، والذي جرت مفاوضات بشأنه من دون مشاركتها، معربة عن الأمل في أن «تحترم جميع الأطراف» المشاركة في النزاع، هذا الاتفاق. فيما اعتبر وزير الخارجية السوري وليد المعلم، اليوم الخميس، أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي يدخل حيز التنفيذ بعد ساعات، يشكل «فرصة حقيقية» لتسوية سياسية للنزاع الذي تشهده بلاده منذ نحو ست سنوات. وشدد وزير الخارجية التركي مولود تشاوش أوغلو، على أن اجتماع أستانا «ليس بديلا عن لقاء جنيف. بل مرحلة مكملة له». وبعد قطيعة نجمت عن إسقاط تركيا طائرة روسية على الحدود السورية في أواخر 2015، تكثف التعاون بين الطرفين مؤخرا. وفي مؤشر على الحد الذي بلغه التقارب الثنائي في سوريا، شنت مقاتلات روسية ليل الأربعاء الخميس، غارات على مدينة الباب، حيث تخوض القوات التركية وفصائل معارضة هجوما لطرد تنظيم «داعش» منها. بنود جديدة .. أبلغت مصادر «رويترز»، أنه بموجب اتفاق إطار بين الدول الثلاث، فإنه يمكن تقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ إقليمية غير رسمية، وأن يظل الأسد رئيسا لبضع سنوات على الأقل. وتدعم تركيا الجيش السوري الحر، وهو تحالف فضفاض من الجماعات المعارضة التي تدعم أنقرة بعضها في شمال سوريا بهدف طرد تنظيم «داعش» والمقاتلين الأكراد السوريين من حدودها الجنوبية. وتدعم الولايات المتحدة وحدات حماية الشعب الكردية السورية في المعركة ضد تنظيم «داعش» في سوريا، وهو تحرك أثار غضب أنقرة التي ترى وحدات حماية الشعب امتدادا لحزب العمال الكردستاني. وتخشى تركيا من أن أي تقدم يحققه المقاتلون الأكراد في سوريا قد يشجع المسلحين في الداخل. واتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الولايات المتحدة بدعم الإرهاب في سوريا، بما في ذلك »داعش» في تصريحات وصفتها واشنطن، بأنها «سخيفة».