ليس مطلوباً أن تظل الشعوب حائرة طوال الوقت؛ لأن روادها تائهون لم يحددوا بعد بوصلة الحركة ولا أفق المستقبل وكل ما يتقنون إشاعة حالة من النقد الدائم والمستمر لما وصلت إليه الأوضاع. في البحث عن مخرج هناك جملة من الحقائق والبدهيات والأسئلة ينبغي التأمل فيها حتى لا تظل الأفكار المطروحة مجرد أمنيات وأحلام يقظة لا تدعمها دراسة الواقع الواجب تغييره وحالة الأزمة التي يعيشها الجميع بلا استثناء، النظام ومعارضوه على السواء. ولا يكفي أن تكون صاحب مطالب مشروعة بل لا بد لك من أدوات حتى تحقق ما تريد؛ لأن بدهيات المطالب يصعبها غياب الأدوات وما لا تستطيع تحديد بدايته لا تستطيع تحديد نهايته وما لا تملك أدواته لن تحسمه بأدوات غيرك. تتعدد الأسئلة المطروحة في هذا الشأن كمداخل للتفكير في المخارج وللحلول ورغم بدهيتها إلا أنها تحتاج إعادة طرح وتذكير وتداول في النقاش العام، ومن تلك الأسئلة: على ماذا نراهن في قادم الأيام لإنجاز مشروع التغيير والخروج من المحنة وحالة العجز؟ هل بالسياسة أم بالثورة والمقاومة أم بالتربية والتوعية أم بالفكر والثقافة والإعلام؟ والإجابة بكل هكذا مسارات؛ لأنها متكاملة ولا غنى عن أحدها والخطأ هو الرهان على مسار واحد. ومن أسئلة البحث عن مخرج هل تبقى مهمتنا البقاء في مربع نقد الأوضاع السائدة أم البحث عن مخارج وحلول؟بالتأكيد نقد الأوضاع مهم وضرورة حتى لا يظن الناس أن هذا هو الأصل الذي ينبغي أن نعيشه، مع ذلك يبقى البحث عن مخرج مهم . من يرى معاناة الناس ويقف منتظراً معجزة فهو مخطئ، من ينتظر منقذاً فهو مخطئ، من يعتبر الجمود في المكان ثباتاً على المبدأ دون فعل يحرك الراكد فهو مخطئ. أزمتنا ليست أزمة قيادات كما نظن؛ بل أزمة أفكار وقيم وطريقة تفكير وسوء تقدير، وغرور أحياناً. أزمتنا أزمة شعوب لا بد أن نشركها ونشاركها الحل والبحث عن مخرج. ليس عيباً أن ترفع الراية ما دمت غير مستعد أو جاهز لدفع كلفة التغيير. ليست مهمة قادة التغيير والثورات أن تدغدغ أحلام بعض جمهورها المتحمس دون إعداد؛ بل عليها مكاشفتها. والجمهور الذي أعنيه عموم الناس المعنيين بقضية التغيير، وهي ليست دعوة للانسحاب من المشهد وإن كان الانسحاب المحسوب مطلوباً حينما تحدده أنت ولا يفرض عليك (إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة) فالإقدام والإحجام مهارات يجب أن تتقنها قوى وقيادات التغيير، لكن منطق (مكلمين) في كل الأوضاع فهو منطق ركوب الدماغ بلا حساب عواقب ولا تقدير مآلات. ليست مهمتنا أن نقول كله تمام ونحن مرهقون ومتعبون. كلمات ربما لم تأت بجديد، لكنها دعوة للبحث عن مخارج لقوى الإصلاح والتغيير وليس لخصومهم والرائد لا يكذب أهله. المخرج يكون للجميع وليس لفئة دون فئة ولا على حسابها؛ لأن الأزمة هي أزمة الجميع. من مداخل البحث عن مخرج التوقف لمراجعة الماضي القريب والتجربة الحية مطلوب لبدء جديد يوازن بين الأمنيات والإمكانات، وبين الشعارات والقدرات، وبين المهمات والكفاءات. المراجعة كشف حساب ليس للفضح ولا لتنصيب المحاكمات؛ بل للوقوف على الثغرات لسدها، والخلل لعلاجه، وإلا سنظل في حلقة الفشل. المراجعة لا تتعلق بالبحث في النوايا والمقاصد؛ بل في البحث في الأفكار والأدوات والقدرات وهل كانت مناسبة أم لا. المراجعات مطلوبة لخروج آمن بأقل كلفة من حالة العجز والنزيف المستمر. ليس قصدنا تراجعاً بل مراجعة ومحاسبة للنفس الجماعية والتي ستتطلب منا توبة جماعية. ورغم التأكيد على ضرورة عدم تصدير قضية الهوية في سلم أولويات الجماعة الوطنية؛ لأنها في تقديري محسومة لدى قطاعات شعبية واسعة وهم المعنيون وليس النخب وما ذلك، فمن المسلمات أن التغيير الحقيقي يبدأ من عقيدة دينية كما أن خميرة أي ثورة حقيقية هي التدين الحقيقي الذي لا يعترف بالفرعنة ويعتبر ذلك مناقضاً للتوحيد ومن ثم يصبح محو أي خلفية عقدية هو الطريق لبقاء المستبد الإله، ويحتاج لذلك خطاباً ومقولات دينية تبرر بقاء الحكم الجبري وتجعل مقاومة الفرعون فتنة وتعتبر الخروج على الفرعون خروجاً على الدين، ولذلك هم يحاربون دين الله من خلال خطاب جديد يناسب الفرعون ويضفي قدسية عليه وعلى المهمومين بقضية التغيير والباحثين عن مخرج إدراك أن الثورات بطبيعتها ليست فكرة مستقرة في عقول ووجدان كثير من الشعوب؛ لأنها بطبيعتها طارئة وليس مطلوباً من كل الناس أن تظل ثائرة طوال الوقت وكأن الثورة أصبحت مهنة، ولذلك ففكرة الثورة تحتاج لمزيد من الوقت والوعي لتصبح هي الحالة والفكرة السائدة، وربما يظل كثير من الناس كارهين لها حتى ولو كانت نتيجتها في صالحهم. في البحث عن مخرج نحتاج لفكر جديد يعرف المداخل الحقيقية لجعل الناس ترفض الظلم وتقاومه بالطريقة والأداة التي تناسبهم و ليس مجرد استنساخ تجارب الغير. طريقان لا ثالث لهما لاستعادة الحضور لقوى التغيير: استعادة الثقة في الناس بما يعنيه من التخلي عن خطابات التخوين والعمالة وجعل الجميع أعداء، والثاني التدرج وعدم الاستدراج إلى التصدر دون استعداد وقبول شعبي واسع، وعدم القفز على مسارات بناء الوعي والكوادر والخطط البديلة والتحالفات الواسعة. في البحث عن مخرج علينا أن نعي أن بناء القوة الذاتية لا يعني القطيعة مع العالم واستحضار الصدام دائماً معه؛ بل يعني التفاعل الدائم وكسب مساحات لتحقيق مصالح مشتركة للجميع بعيداً عن لغة "ونشرب إن وردنا الماء صفواً ويشرب غيرنا كدراً وطيناً". فكما نتأثر بما يحدث في العالم فإن العالم يتأثر بما يحدث عندنا فلماذا الهزيمة النفسية؟ لقد أضحى الفاعلون الصغار أصبح لهم تأثير في المعادلات الدولية كالكبار. لم ولن ينتهي التاريخ طالما كنا صناعاً للحدث والتاريخ لا مجرد منتظرين موعد ذبحهم. فتح ثغرة في جدار الحل والبناء على المبادرات الجانبية واستعادة الحضور أفضل من البقاء في مربع الرفض وفقط ريثما يأتي كل شيء ولن يأتي شيء دفعة واحدة. ويبقى من أولويات المرحلة الاستثمار في وعي الشعوب وتبني قضاياها هو الطريق البديل لحكم مافيات المال والسلاح والتخلي عن مقولات من قبيل "العبيد لا يثورون" فقد ثار العبيد مع النبي على السادة. وهل تكون الثورات إلا لتحرير العبيد؟.. وهل كانت رسالة الإسلام إلا للتحرير من عبادة البشر؟تصنيف الناس وإخراج أغلبهم من صفة الثورية بحجة الجوع أو الفقر أو الجهل يحتاج مراجعة.. المشكل أننا لم نستطع بعد إقناع هؤلاء أن الثورة هي لتحريرهم من الجوع والفقر والخوف والجهل.. لا ينبغي علينا المبالغة في لوم الناس والشعوب. ربما كان التقصير فيمن تصدروا لقيادتها، وربما كانت الظروف والمؤامرات أكبر من الجميع. وربما نحتاج لبعض الوقت لدراسة وتقييم ما حدث كيف حدث ولماذا وكيف نتجنبه مستقبلاً؟ كما أن إشاعة الأمل مع فتح مسارات للعمل المؤثر والمناسب للمرحلة مهم مع استدامة اليقين في أن الأيام دول بين الناس وأن العاقبة للمتقين. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.