×
محافظة المنطقة الشرقية

افتتاح معرض الكتالوجات الهندية بالجبيل

صورة الخبر

الأرض.. ذلك الكوكب الوحيد الذي نبضت فيه الحياة، ذلك البيت الكبير الذي استقبل كل الكائنات الحية فأمدها بترياق الحياة؛ الماء والأكسجين، ذلك المكان المقدس الذي فيه استُخلف الإنسان رغم أن كائنات أخرى سكنته قبله. يخبرنا علم الجيولوجيا أن الحياة على الأرض شهدت ميلادها الأول قبل ما يزيد عن ثلاثة مليارات ونصف المليار عام؛ لتبدأ رحلتها الحياتية فتنمو وتكبر وتظهر عليها ملامح الحياة شيئاً فشيئاً، ويعتقد أن أول أشكال الحياة على الأرض ظهر في أعماق المحيطات والبحار؛ لتنتقل بعد ذلك إلى اليابسة. اتحد البر والبحر وشكَّلا معاً النظام الأساسي للأرض الذي دعم استمرار الحياة عليها واستقرارها إلى أن ظهر ذلك المخلوق العجيب، الإنسان، كائن مختلف تميز عن الكائنات الأخرى بالعقل، استقبلته الأرض فأجادت عليه بكرمها كما سخرت له كل ما أوتيت من خيرات وثروات. الاكتشاف والابتكار كانا كل ما شغل بال هذا الإنسان منذ أن وطئت قدمه الأرض، أبى أن يكون سجين رقعة جغرافية محدودة، فهاجر وتوزع على نطاق واسع؛ ليبدأ بإقناع نفسه بأنه يملك الأرض وما عليها، ومنذئذ بدأت جرائمه الشنيعة على الأرض. في آخر كل اكتشاف وابتكار كان الإنسان يتطور لينتقل من مرحلة لأخرى بداية من العصر الحجري والمعدني، مروراً بعصر الزراعة والصناعة، وصولاً إلى عصر المعلومات والتكنولوجيا، وكل انتقال له من مرحلة لأخرى كان يكلف الأرض الشيء الكثير، كل تطور يحققه كان يحملها أكثر من طاقتها بحيث بدأ نظامها الطبيعي يختل عن توازنه. ومع تقدم الإنسان عبر العصور بدأ جسم الأرض يتدهور شيئاً فشيئاً حتى كاد يفقد القدرة على استعادة عافيته. أضحت الأرض لا تستوعب ذلك الكم الهائل من النفايات المتراكمة، أصبحت تختنق من الغازات المتصاعدة من الانفجارات الذرية ومن الدخان المنبعث من السيارات والمصانع وغيرها، بدأت تصاب بتسمم بسبب المبيدات والمواد الكيماوية، تعاني جفافاً حاداً جراء إبادة غاباتها، وتكاد تموت عطشاً من ندرة مياهها، وكل هذا بسبب سلوكات الإنسان. لن أتحدث عن كيف يلوث الإنسان كل يوم بيئته، وكيف يحرق ويبيد الغابات، أو كيف يصطاد بكثافة ولا عن الأضرار الناتجة عن هذا من مشاكل صحية، وندرة المياه، وانقراض الحيوانات وتصحر الأراضي، ولن أسبر حتى أغوار التغيرات المناخية أو ما يسمى بالاحتباس الحراري، حاول فقط أن تشاهد أحد الفيلمين الوثائقيين "بيتنا" "Home" أو "قبل الطوفان" "Before the blood" وستدرك حجم الدمار الذي يحدثه الإنسان على الأرض ومدى معاناة هذه الأخيرة جراء ذلك. لن أتحدث إذاً عن أي من ذلك، بل سأتحدث عن جشع الإنسان، عن أنانيته، عن جهله، وعن جنونه. إن الإنسان يعيش تحت وطأة حالة من الوهم تشعره بأنه يملك الأرض وما عليها، انفراده لوحده بملكة العقل جعله يقف متعجرفاً على الأرض ويأبى أن يدنو ولو قليلاً ليسمع أنينها خشية أن يفقده ذلك شيئاً من هيبته، أنانيته وغروره جعلاه غير أبهٍ بواجباته تجاه الأرض فيستمر في انتهاك حقوقها، بينما يضع القوانين لنفسه ويدافع عنها، جشعه جعله لا يرضى بالاكتفاء، بل يسعى إلى أن يغذي هوس رغبته الجامحة في الحصول على المزيد، التي لا ولن تشبع أبداً، بل ويستمتع بسعادة الامتلاك هذه دون أن يكترث ما إذا كان بذلك يمارس ظلماً على الأرض. ترى متى يدرك الإنسان أنه لن يعيش إلى الأبد وأن امتلاكه لكل هذا سيزول حتماً مع زواله؟ إن الإنسان مصاب بحالة من الجنون وقواه العقلية لا تؤهله ليستوعب حجم الدمار الذي يحدثه على الأرض، إن الإنسان ومهما حقق من إنجازات واكتشافات عبر تاريخه فإنه لا يزال جاهلاً، إنه يجهل أن دماره للأرض يعني دماره لنفسه، بل إنه المتضرر الأول من سلوكاته الطائشة التي لن تؤدي به إلا لفنائه، فلا كوكب المريخ ولا غيره سينقذه من ذلك. إن هذا التحول الجيولوجي الدرامي، أو إن صح التعبير، هذا الاحتضار الذي تشهده الأرض يكاد يصبح غير قابل للإصلاح، لكن لا بد أنه لا يزال هناك على الأقل ما يمكن إصلاحه. ألم يحِن الوقت إذاً لنتحمل مسؤوليتنا تجاه كوكبنا وننقذ ما يمكن إنقاذه؟ ألم يحِن الوقت لنعترف بطغياننا وجنوننا؟ ألم يحِن الوقت لندرك أننا مجموعة قتلة يعملون في نفس الوقت لتدمير الأرض، وأن نفهم أن استخلافنا في الأرض لا يعني امتلاكها وتخريبها بل يعني إعمارها؟ ألم يحِن الوقت لنبحث أولاً عن سبل لإنقاذ الحياة على الأرض بدل البحث عن الحياة في كوكب المريخ أو غيره؟ ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.