تواصل سنة 2016، من خلال المهرجانات الدولية والتظاهرات الكبرى ذات التوجه الأدبي والفني، التي نظمت بمختلف جهات المملكة، تكريس صورة التنوع الذي يسم الممارسة الثقافية في المغرب؛ فيما أعطت الجوائز التي حصل عليها عدد من الأدباء المغاربة، داخل وخارج المغرب، صورة عن الدينامية التي تتوج للمنجز الثقافي المغربي، وتعطيه حضورًا إقليميًا ودوليًا. وبقدر ما نقلت التظاهرات الثقافية المنظمة على مدى شهور السنة، من جهة، وتميز عدد من المثقفين المغاربة على الساحتين العربية والدولية، من جهة ثانية، صورة عن دينامية مغرب متنوع وغني بثقافته ومثقفيه، فقد أبت السنة، التي يتهيأ العالم لتوديعها، إلا أن تترك حزنًا في النفوس، بعد رحيل عدد من رموز الأدب والفن. مهرجانات دولية خلال 2016، نظمت بعدد من المدن المغربية مهرجانات ذات صيت عربي وعالمي. ففي «أصيلة»، نظم «موسم أصيلة الثقافي الدولي» فعاليات دورته الـ38، ما بين 12 إلى 28 يوليو (تموز) الماضي. وتضمن برنامج الدورة ندوات ولقاءات ذات توجه سياسي وفكري وأدبي، ضمن فعاليات الدورة الـ31 لجامعة المعتمد بن عباد، تناولت مواضيع «الوحدة الترابية والأمن الوطني: أي مآل لأفريقيا؟» و«الحكامة ومنظمات المجتمع المدني» و«النخب العربية والإسلامية: الدين والدولة» و«الرواية العربية وآفاق الكتابة الرقمية»، و«خيمة الإبداع» التي خصصت لتكريم الشاعر محمد بنيس، مع تنظيم حفل تسليم «جائزة محمد زفزاف للرواية العربية»، في دورتها السادسة، التي فاز بها الروائي التونسي حسونة المصباحي، علاوة على شواغل للفنون التشكيلية والنحت والحفر والصباغة وكتابة وإبداع الطفل، وجداريات ومعارض ومرسمًا وورشة في موضوع الحفاظ على التراث العمراني، وعروضًا غنائية وموسيقية. وفي مدينة مراكش، توج المهرجان الدولي للفيلم، في دورته السادسة عشرة، التي نظمت مابين 2 و10 ديسمبر (كانون الأول) الفيلم الصيني «المتبرع»، لمخرجه زون كيوو، بالجائزة الكبرى للمهرجان. فيما عادت جائزة لجنة التحكيم للفيلم النمساوي الإيطالي المشترك «مستر إنفيرسو»، للمخرجين تيزا كوفي ورينرفريميل؛ وذهبت جائزة أحسن إخراج للصيني وانغ كسييبو، عن فيلمه «سكين في مياه صافية». وعلى مستوى التشخيص، فازت الممثلة فارشته حسيني بجائزة أحسن ممثلة، عن دورها في الفيلم الأفغاني الإيراني المشترك «رحيل»، لمخرجه نويد محمودي؛ فيما فاز بجائزة أحسن ممثل، مناصفة، كل من بالدور إينارسن وبلاير هينيريكسن، عن دوريهما في الفيلم الدنماركي الآيسلندي المشترك «قلب من حجر»، لمخرجه كودموندور أرناركو دموندسون. وترأس لجنة تحكيم المسابقة الرسمية، التي عرفت تنافس 14 فيلمًا، المخرج المجري بيلا تار. وتضمن برنامج التظاهرة، التي خيم عليها غياب الأفلام المغربية عن المسابقة الرسمية، وحضورها الضعيف في باقي فقرات التظاهرة، فضلاً عن الحضور العربي والأفريقي الضعيف، سينمائيين وأفلامًا، تكريم ذكرى كل من المخرج الإيراني عباس كياروستامي والمخرج المغربي عبد الله المصباحي. كما تم تكريم المخرج الياباني شيناتسوكاموتو والمخرج الهولندي بول فيرهوفن والممثل المغربي عبد الرحيم التونسي، المشهور بلقب «عبد الرؤوف»، والممثلة الفرنسية إيزابيل أدجاني، فضلاً عن تكريم السينما الروسية بعرض 30 فيلمًا، في حضور وفد روسي مكون من 20 سينمائيًا، قادهم المخرج ورئيس مؤسسة «موسفيلم» كارين شخنازاروف. وواصلت مدينة الصويرة احتضانها لمهرجاناتها الثلاثة: «كناوة وموسيقى العالم» و«أندلسيات أطلسية» و«ربيع الموسيقى الكلاسيكية». وفيما ركز مهرجان «ربيع الموسيقى الكلاسيكية»، في دورته السادسة عشرة، التي نظمت مابين 28 أبريل (نيسان) والفاتح من مايو (أيار) الماضيين، على أساتذة ومدرسة فيينا التي اشتهرت بكونها عاصمة الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية، التي انكشف فيها المشوار الفني لهايدن وموزارت وبيتهوفن وشوبرت، اقترح مهرجان «الأندلسيات الأطلسية» على جمهوره، في دورته 13، التي نظمت مابين 27 و30 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لحظات للتفكير والنقاش وفقرات فنية تشترك في الأداء الراقي، أداها فنانون مغاربة، مسلمون ويهود، تأكيدًا لتنوع وتعايش ميز تاريخ المغرب منذ غابر القرون. من جهتها، تميزت فعاليات «مهرجان كناوة وموسيقى العالم»، في دورته الـ19، التي نظمت مابين 12 و15 مايو الماضي، بتنوع وغنى على مستوى البرنامج، الذي جمع عروض الموسيقى، على منصات الحفلات، بفضيلة الحوار في المنتدى، الذي نظم في دورته الخامسة، في موضوع «الدياسبورا» الأفريقية، بمشاركة باحثين ومختصين ومهتمين بالشأن الأفريقي، من المغرب والخارج، توزعتها أربعة محاور، شملت «الحركيات» و«المعرفة» و«النوع الاجتماعي» و«الثقافة». وعرفت الدورة حضورًا جماهيريًا فاق توقعات المنظمين، الذين برمجوا ما يفوق 30 حفلا موسيقيًا، على مدى أربعة أيام، بمشاركة 300 فنانًا. كما أبرزت الدورة، على المستوى الفني، قيمة المزج والجمع بين أشكال فنية تقليدية، ك«كناوة» و«حمادشة» و«عيساوة»، أو عصرية كـ«الجاز» والبلوز» و«الروك» و«الفلامنغو». وفي مدينة فاس، واصل مهرجان الموسيقى العالمية العريقة مسيرته، فخصص دورته الـ22، التي نظمت مابين 6 و14 مايو، لـ«النساء المشيدات»، تعبيرًا عن «ثيمة مستمدة من حياة وأعمال هؤلاء النساء اللواتي تركن بصماتهن في التاريخ، على غرار فاطمة الفهرية التي يعود إليها الفضل في تشييد مسجد وجامعة القرويين، وقريناتها من النساء البارزات في العالم». فيما سعى «منتدى فاس» إلى «إضفاء الروح على العولمة»، بمشاركة نخبة من أبرز المفكرين والمثقفين، في حوار حول المرأة والأنوثة والنسوية والمعارك والرهانات الاجتماعية المتفرعة عنها. وفي مدينة الرباط، واصل مهرجان «موازين.. إيقاعات العالم» استقطاب أبرز نجوم الغناء في العالم، حيث تابع مئات الآلاف، ما بين 20 و28 مايو، حفلات فنانين مغاربة، عرب وغربيين، بينهم نجمة البوب الأميركية، كريستينا أغيليرا وقيصر الغناء العربي، الفنان العراقي كاظم الساهر. وأعلنت «جمعية مغرب الثقافات» أن الدورة الـ15 حققت حضورًا جماهيريًا قياسيًا تجاوز 2,6 مليون متفرج، الشيء الذي جعل منه، حسب المنظمين، «لقاء ثقافيًا جديرًا بمغرب يطمح إلى العالمية في كل مبادراته وتجلياته، مع تعلقه السرمدي بتراثه الحافل بالمفاخر». معرض النشر والكتاب احتضنت مدينة الدار البيضاء، ما بين 11 و21 فبراير (شباط)، الدورة 22 للمعرض الدولي للنشر والكتاب، التي استضافت دولة الإمارات العربية المتحدة كـ«ضيف شرف»، بمشاركة 686 عارضًا، من 44 دولة، حيث قدم العارضون رصيدًا وثائقيًا فاق 100 ألف عنوان، 68 في المائة منها باللغة العربية. وبموازاة ذلك، شهدت الدورة تنظيم برنامج ثقافي ناهزت فقراته 677 نشاطًا، تضمنت 302 ندوة ولقاء، و340 توقيعًا، و35 فقرة شهدها فضاء الطفل، فيما قدر المنظمون عدد زوار الدورة بـ370 ألفًا. كما عرفت الدورة تسليم «جائزة الأركانة العالمية للشعر»، في دورتها العاشرة، التي ذهبت إلى الشاعر الألماني فولكر. وبرر «بيت الشعر في المغرب» منح الجائزة للشاعر الألماني بعدة اعتبارات، بينها أنه «ظلّ وفيًا على مدى نصف قرن لجوهر الشعر، بكتابةِ قصيدةٍ مُتفاعلة مع زَمنها، مُنتصرَة للأمل، تبثّ شعاعه، بحثًا عن التوازن داخل عالم مُهتزّ». جوائز تميز وفي هذا العام، حصل عدد من الأدباء المغاربة على جوائز أدبية هامة، خارج المغرب، علاوة على «جائزة المغرب للكتاب». ففي فئة النقد، ضمن جائزة «كتارا» القطرية، توج أربعة نقاد مغاربة من أصل خمسة فائزين عرب، وهم الناقدة والنقاد زهور كرام وإبراهيم الحجري وحسن المودن ومحمد بو عزة، فيما فاز بالجائزة أيضًا، الروائي المغربي مصطفى الحمداوي، المقيم بهولندا، ضمن فئة «الرواية غير المنشورة»، كما فاز الدكتور محمد مفتاح بجائزة الملك فيصل العالمية للغة العربية والأدب العربي، مناصفة مع الباحث المصري محمد عبد المطلب. واعتبر فوز الناقد والسيميائي المغربي، الذي أغنى المكتبة المغربية والعربية بأعمال تحليلية مهمة، موجّها إلى الثقافة المغربية باعتباره من رموزها الديناميكية. وحصل الكاتب والناقد سعيد يقطين على جائزة الشيخ زايد للكتاب، في صنف «الفنون والدراسات النقدية»، عن كتابه «الفكر الأدبي العربي: البنيات والأنساق»، الذي انشغل فيه بـ«تأسيس مفهوم الفكر الأدبي العربي الذي يجمع بين التنظير والتطبيق». وفاز الباحث خالد التوزاني بـ«جائزة ابن بطوطة لأدب الرحلة»، التي تمنحها «دارة السويدي»، في أبوظبي، سنويًا، في فرع «الدراسات»، عن كتابه «الرحلة وفتنة العجيب.. بين الكتابة والتلقي». وخارج جغرافية الجوائز العربية، فازت الروائية ليلى السليماني بجائزة «غونكور»، التي تعتبر أرقى الجوائز الأدبية الفرانكفونية، وذلك عن روايتها «أغنية هادئة». وبفوزها، تصبح السليماني، ثاني كاتب مغربي ينال هذه الجائزة الرفيعة، بعد الطاهر بنجلون الذي نال الجائزة نفسها سنة 1987. وعلى مستوى الداخل، عرفت دورة هذه السنة من «جائزة المغرب للكتاب»، التي ترأس لجنتها الدكتور نور الدين أفاية، تنافس 175 كتابًا، في الأصناف الثمانية المقترحة، حيث ذهبت جائزة «السرديات» لطارق بكاري عن روايته «نوميديا»؛ وجائزة «الشعر» لعبد الكريم الطبال عن ديوانه «نمنمات»؛ وجائزة «العلوم الإنسانية» (مناصفة) لمحمد جبرون عن كتابه «نشأة الفكر السياسي الإسلامي وتطوره» ومحمد سرو عن كتابه «النظر والتجريد في الطب الأندلسي بين ابن رشد وابن زهر»؛ وجائزة «العلوم الإنسانية» لمحمد العيادي؛ وجائزة «الترجمة» (مناصفة) لرجاء بومدين عن ترجمة «مجنون الورد» لمحمد شكري إلى الإسبانية وخالد بن الصغير عن كتابه «يهود المغرب وحديث الذاكرة»؛ فيما ذهبت جائزة «الدراسات الأدبية واللغوية والفنية» لعبد الرزاق الترابي عن كتابه «صرف - تركيب اللغة العربية». رحيل الرموز لم تمر سنة 2016 من دون أن تترك في نفوس مثقفي وأدباء وفناني المغرب، بشكل خاص، والجمهور المغربي، بشكل عام، حزنًا كبيرًا على رحيل عدد من رموز الفكر والأدب والفن في البلد، لعل أشهرهم الفنان المسرحي الكبير الطيب الصديقي، والموسيقار المتميز سعيد الشرايبي، والملحن العربي الكواكبي، أحد رواد الأغنية المغربية، والفنان موحى والحسين أشيبان المعروف بـ«المايسترو»، الذي ساهم في إشعاع فن «أحيدوس» الشعبي، والفنان عبد اللطيف الزين، أحد رموز الفن التشكيلي المغربي، فضلاً عن الفنانة الفوتوغرافية ليلى العلوي، التي غيبها الموت عن سن الثالثة والثلاثين، إثر الجروح التي أصيبت بها خلال هجوم إرهابي تعرضت له العاصمة البوركينابية واغادوغو. التعليقات