مريم البلوشي لو تأملنا كيف تدور بنا الأيام وتمضي، كيف تكون الليالي والشتاءات وفصول الصيف، وجوه تراها وأخرى تودعها، تبكي ميتاً وتستقبل بالأهازيج طفلاً، لا تلتف حولك الأفراح وتبقى بل ترتحل لتحل محلها بعض من الأحزان، تجزع وتبكي حتى ترحل وتفرح وهكذا هي الأحداث في بوتقة الحياة. كم من قريب رحل عنا، وكم من أم انتظرنا معها طفلاً يحل ويملأ دنياه فرحاً. ليست هناك نظريات وأبحاث توقف ما نرى أو تغير مواعيد اللقاء والفراق، قلوبنا تتحمل في شدتها الأهوال، تلك المضغة الصغيرة التي في أضلعنا، لا تفتأ تضخ الحياة وتنبض بكل ما يمر بنا، ونحن لا نبقى في محل أو حال. ليس فينا من هو خال، ترى الوجوه حين تجتمع في مصاب، تتذكر مصابها ومن فقدت فتذرف دمعاً وتبقى في ذهول حالة الأمس، وكيف أن من كان بجنبها رحل دون وداع، هي حالات من الصدمة تأتينا فجأة فلا ندرك أن نقول لها: تمهلي، بل تبقى تأخذنا معها في مسار من دوامة الحياة، نتذكر في دقائقها الأولى كيف هي مرارة الفقد والتعب الأول حين يعتصر الفؤاد ألم حتى نكاد نقول إننا هالكون لا محالة. هناك يأتي الحمد، يأتي تعبير الحمد لله من حمد وشكر كان له الأجر والثواب، لا نعترض أو نقول لماذا؟ بل نتعظ ونحمد الله على نعمة الحياة وبأننا باقون ندعو لمن رحلوا، وندعو لأنفسنا بأن يسخر لنا بعد الرحيل من يدعو لنا ويذكرنا. قصة الحياة والموت، قصة الصدمة والفرحة، وفينا دائما ذاك السؤال كيف هي المعجزة التي نولد بها ونفارق؟ هل يعي من يزهق روحاً كيف أنه لا يملك حقاً؟ وكيف يدرك من يقتل بيديه من وهبه الحياة أنه بشع في ما يقدم. تدركنا الكثير من القصص فنقول كيف ذلك؟ وكيف يموت القلب؟. الحمد لله على من يفرحنا، الحمد لله على من يبقينا في صحة وسلام، أمن وأمان، الحمد لله على وقت لا نزال نملك، نتنفس فيه ونشكر الله. والحمد لله على كل ما يذكرنا بأن هذه الحياة زائلة فانية ونحن راحلون، فلا نتعلق بها ولا نرهق أنفسنا بأن نفكر في بشر لا يملكون حولنا ولا رزقنا، فالحمد لله أننا مؤمنون بالله، وبأنه يملك مفاتيح حياتنا ويدركنا، رحيم بنا، يرزقنا ويعطينا ما نريد وأحياناً ما لا نريد. قلوبنا في دورتها ندعو بأن يثبتها على حبه وطاعته، قد نكون مقصرين وعاصين، لا نؤدي حقوقه كاملة، لكن الله علمنا أن الأبواب لا تغلق، وأن الدعاء لا حاجز له، وأنه يفرح بعودة عبده وبكائه بين يديه، فكم من قلب هدأ في خلوته حين بكى لله يطلب منه أن يمسك على قلبه، وأن يغفر له ما بدر وما كان، فالحمد لله على نعمة التوحيد وإدراك الخالق الذي نحتاجه في كل شهقة وزفرة، والحمد لله أنه من يتولانا حين نرحل ولا نكون. الحمد لله. mar_alblooshi@hotmail.com