يسدل العام 2016 ستاره بعد أحداث دفعت العالم إلى الاحتراز من الإرهاب، إذ شرعت عواصم ومدن كبرى استنفارًا أمنيًا؛ تحسبًا لهجمات جديدة أثناء احتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة الجديدة. ورغم إعلان دول عدة، ومنها بريطانيا وأستراليا وماليزيا وألمانيا، في الأيام الأخيرة عن إحباط هجمات يبقى الخوف سيد الموقف، خاصة بعد هجوم سوق أعياد الميلاد في برلين الاثنين الماضي، واغتيال السفير الروسي في أنقرة في اليوم نفسه، وهجوم الكرك في الأردن، وقبلها تفجير الكنيسة القبطية في القاهرة. وأمس، فجرت امرأة تحمل طفلاً حزامها الناسف بعدما داهمت قوات الأمن مخبأ لجماعة متشددة في العاصمة البنغلاديشية دكا. أمام ذلك، واصلت السلطات الألمانية، أمس، تحقيقاتها في هجوم برلين غداة مقتل المشتبه فيه الرئيسي، وتبحث في هذا الإطار عن شركاء محتملين قد يكونون ساعدوه في الوصول إلى إيطاليا على الرغم من إجراءات أجهزة الشرطة في البلاد. وقالت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل إن «الخطر الإرهابي ما زال قائما». وأكد وزير الداخلية، توماس دي ميزيير، أن «التهديد الإرهابي يبقى مرتفعا في ألمانيا». وصرح رئيس نيابة مكافحة الإرهاب، بيتر فرانك «بالنسبة لنا الآن، من المهم جدا تحديد ما إذا كانت هناك خلال الإعداد والتنفيذ، شبكة دعم لوجيستي، وشبكة مساعدة، شركاء أو أشخاص ساعدوه». ويفترض أن يعيد المحققون الآن بناء المسار الدقيق لرحلة التونسي أنيس العامري من برلين إلى ميلانو، كما قال فرانك. وتتساءل الصحف الألمانية «كيف تمكن من مغادرة ألمانيا على الرغم من انتشار الشرطة؟». كما بدأت تطرح تساؤلات عن الإجراءات الأمنية التي اتخذت بعد الهجوم. وذكرت وسائل إعلام ألمانية، أن المحققين عثروا في حقيبة العامري على بطاقة قطار تشير إلى أنه استقل القطار من شامبيري في شرق فرنسا ومر بتورينو قبل أن يصل ليلا إلى ميلانو. وتريد الشرطة الألمانية أن تعرف أيضا ما إذا كان السلاح الذي استخدمه العامري في ميلانو هو نفسه الذي قتل به سائق الشاحنة البولندي في برلين الاثنين. وأكد قائد الشرطة القضائية الألمانية هولغر مونش، أن مئات المحققين سيواصلون العمل على هذا الملف خلال أعياد نهاية السنة. وجاء مقتل العامري، الذي يعتبر المشتبه به الرئيسي في هجوم برلين، قبل أسبوع؛ ليشكل عنوانا رئيسيا لوسائل الإعلام في بروكسل، التي قالت إن رجال التحقيق في دول أوروبية ستعمل وبشكل مكثف خلال عطلة أعياد الميلاد، وبخاصة في ألمانيا وإيطاليا لإيجاد أجوبة على أسئلة لا تزال مفتوحة وتحتاج إلى أجوبة، وقالت صحيفة «ستاندرد» البلجيكية على موقعها الإلكتروني أمس إن «موت العامري جعل الكثير من الأسئلة المطروحة، ستظل مفتوحة أمام رجال التحقيق في محاولة لإيجاد حلول لها، ومن بين تلك الأسئلة، هل تلقى العامري مساعدة من آخرين؟ وكيف خرج من برلين ونجح في الوصول إلى إيطاليا؟ وكيف سيكون مستقبل سياسة الهجرة واللجوء الحالية في ألمانيا؟». وفي بروكسل كان وزير الداخلية، جان جامبون، قد أكد على استعداد بلاده لتقديم للتعاون مع الأجهزة الأمنية الألمانية وغيرها في إطار تقديم الدعم المطلوب للتحقيقات. وفي باريس، صرح المدير العام للشرطة الوطنية الفرنسية، جان مارك فالكون، في مقابلة أمس، بأن المحققين الفرنسيين يعملون «يوميا مع الأجهزة الألمانية، وحاليا مع الأجهزة الإيطالية». وقال فالكون إن إدارة مكافحة الإرهاب في الشرطة الفرنسية «أبلغت بالقضية وتقوم بعمليات تحقيق متقدمة»، موضحا أن «الأمر يتعلق بتحديد ما إذا كان هذا الإرهاب قد مر خلال رحلته عبر أراضينا». وأيضا، هناك أسئلة عدة في إيطاليا عما كان يفعله العامري في الضاحية الشمالية لمدينة ميلانو، منفذ اعتداء برلين الذي كان على رأس لائحة المطاردين في أوروبا غداة مقتله في تلك المنطقة. وبالتأكيد لا يتوجه أحد بلا هدف إلى سيستو سان جوفاني البلدة العمالية السابقة التي لا حياة فيها ويبلغ عدد سكانها نحو ثمانين ألف نسمة. وفيها قتل أنيس العامري بعدما أطلق النار على شرطيين خلال عملية تدقيق روتينية في الهويات. والمكان الذي يشكل عقدة نقل مهمة، يخضع لمراقبة خاصة من الشرطة. والمحطة التي رصده فيها رجال الشرطة عند الساعة الثالثة (02، 00 بتوقيت غرينتش) أمس، هي نهاية خط لقطار الأنفاق ومنصة كبيرة للحافلات يعبرها يوميا عدد كبير من الأجانب. ومن هذا المكان تنطلق حافلات إلى إسبانيا والمغرب وألبانيا وجنوب إيطاليا. وقد رد العامري على رجال الشرطة الذين طلبوا أوراقه أنه لا يحملها وأنه «من كالابريا». وقال العامل المغربي الشاب عزيز لوسائل إعلام أوروبية «أخضع لعملية تدقيق يومية هنا من قبل الشرطة عندما أنزل من الحافلة». وأضاف أن «المكان مقفر في الليل، وهذا يمكن أن يفسر نجاح الدورية في رصد شخص بمفرده». ونقلت صحيفة «لا ستامبا» عن محققي مكافحة الإرهاب في ميلانو، أن العامري وصل بالقطار من فرنسا وتحديدا من شامبيري. ويبدو أنه أمضى ثلاث ساعات في تورينو، حيث يدقق المحققون في تسجيلات كاميرات المراقبة لمعرفة ما إذا كان تحدث إلى أي شخص. لكن في اللقطات المتوافرة لديهم حتى الآن، لم يتصل بأحد. بعد ذلك، وصل عند الساعة الأولى (00. 00 ت غ) أمس إلى محطة ميلانو المركزية للقطارات ومنها توجه إلى سيستو سان جوفاني. هل الهدف كان لقاء أعضاء في شبكة ما؟ أو البحث عن أوراق هوية جديدة ليغادر أوروبا؟ أو الانتقام لأربع سنوات أمضاها في السجن في صقلية بعدما أحرق مدرسة في 2011؟ وفيما ينقل المحققون في مكافحة الإرهاب الذين تنقل وسائل الإعلام الإيطالية تصريحاتهم، فرضيات متعددة، مشيرين في الوقت نفسه إلى أن سيستو سان جوفاني التي كانت «ستالينغراد إيطالية» بسبب نفوذ الحزب الشيوعي فيها، أصبحت مدينة متعددة الثقافات وتضم جالية مسلمة كبيرة. هل كان لديه موعد مع شخص ما؟ أكد قائد شرطة ميلانو أنطونيو دي ييسوس أمام الصحافيين أن أنيس العامري «لم يكن لديه أي صلة مع مسجد سيستو». وقال توماسو تريفولو، الذي يقيم في البرج الواقع قبالة محطة القطارات ورأى سيارة الإسعاف تصل بعد تبادل إطلاق النار، إن هذا الوجود للمسلمين يثير قلقا «لدى البعض». وبالتأكيد، أجرت إيطاليا تحقيقات حول شبكات مؤيدة للمقاتلين، لكن بضع عشرات من الإيطاليين فقط التحقوا بتنظيم داعش في سوريا أو العراق. وأطلقت تهديدات ضد إيطاليا في بعض الأحيان في تسجيلات فيديو دعائية لتنظيم داعش، لكنها لم تشهد أي اعتداء جهادي. إلا أن عددا من مواطنيها قتلوا في هجمات في الخارج، في باريس وبنغلادش. وفي قضية منفصلة، اعتقلت الشرطة الألمانية أمس شقيقين يشتبه في أنهما كانا يخططان لتنفيذ اعتداء في أحد أكبر المراكز التجارية في ألمانيا. والموقوفان شقيقان من كوسوفو في الـ28 والـ31 من العمر. ويفترض أن تعمل السلطات الألمانية الآن على طمأنة رأي عام قلق بعدما كشف الاعتداء عن ثغرات كبيرة في إجراءات مكافحة الإرهاب في البلاد. وقد أخفقت أجهزة الأمن الألمانية في توقيف العامري مع أنه كان معروفا بتطرفه وخطورته منذ فترة طويلة. وأعلنت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل أنها طلبت من وزيري الداخلية والعدل ومن السلطات الأمنية في شكل عام تحليل «كل جوانب» القضية وتسليمها خلاصات «في أسرع وقت». وقالت: «سندرس الآن بشكل مكثف ما يجب تغييره في ترسانة الإجراءات التي تملكها الدولة». وتحدث وزير العدل، هايكو ماس، عن قرارات «ستتخذ بسرعة في يناير (كانون الثاني) من أجل تحديد كيف يمكن مراقبة الأشخاص الخطيرين بشكل أفضل»، ومن جهة أخرى كيف يمكن «طرد» المهاجرين الذين لا يملكون حقا في الإقامة «في أسرع وقت ممكن». وأنيس العامري كان طالب لجوء رفض طلبه، وكان يفترض أن يطرد قبل أشهر. في هذا السياق، دعا الرئيس الألماني، يواكيم غاوك، في رسالته لمناسبة الميلاد التي بثت السبت إلى عدم الاستسلام «للخوف». وقال «في مرحلة تشهد اعتداءات إرهابية علينا ألا نتسبب في انقسام أكبر في مجتمعنا وألا ندين في شكل عام مجموعة من الأشخاص»، في إشارة إلى اللاجئين.