في تقرير أخير صادر عن الهيئة العامة للإحصاء، تبيّن فيه ارتفاع عدد المطلقات العاملات إلى 72.895% مما يعني أن المرأة العاملة نالت النسبة الأعلى في الطلاق. الغريب أن أحد الصحف المحلية نشرت بأن عمل المرأة هو سبب الطلاق، وأعتقد أن من يعزو السبب إلى العمل فهو ينظر إلى هذه الفكرة بسطحية بالغة، لأن من يحاول النظر إلى جوانب مختلفة للأسباب سيجد أن الفكرة أعمق بكثير من رمي التهم وجعل عمل المرأة شماعة لتعليق أخطاء المجتمع التي أولها الزواج ومكوناته وطريقته وكل محددات هذه المؤسسة التي تذكر الإحصائيات أنها تفشل كثيراً في مجتمعنا. والطلاق ليس هو الفشل بقدر ما هو قرار جاد وإيجابي لإيقاف الفشل، بينما الفشل الحقيقي هو استمرار حياة زوجية «مهترئة» وجعلها تستمر خوفاً على أشخاص آخرين سواء الأولاد أو الأسرة، مع أن استمرار حياة زوجية فاشلة هو ما يؤثر سلباً على المحيطين أكثر من الطلاق نفسه، إذا ما توفرت خلفه قوانين العدالة التي تضمن عدم ظلم طرف لآخر. أعود إلى طلاق المرأة العاملة، حيث أرى بأن الاستقلال الاقتصادي للمرأة وارتفاع مستوى الوعي والتعليم جعلها لا تقبل بنصف حياة مع رجل لا تريده، وحتى وعي الرجل يجعل منه لا يقبل أن يستمر بحياة غير مريحة، كلا الطرفين أو أحدهما من حقه إنهاء هذه المأساة، وقد كانت النساء تستمر في أنصاف الحياة خوفاً من الاعتبارات الاجتماعية التي تنظر للمطلقة نظرة دونية، وقد تغيّر المجتمع وارتفع الوعي ولم تعد المطلقة ذلك الشبح البغيض، وهذا برأيي لأنها لم تعد «عالة» على غيرها، وأصبحت قادرة على أن تتحمل مسؤولية نفسها وأولادها من الناحية الاقتصادية، وما دامت لم تعد «عبئا» فهي في حالة أمان، بما فيه الأمان من النظرة الدونية التي كانت رائجة سابقاً في المجتمع. إن التمكين الاقتصادي للمرأة يمنحها أيضاً التمكين الاجتماعي الذي يؤهلها لاتخاذ قرارات حياتها، وجعلها قادرة على أن تقرر مصير مستقبلها في أن تبتعد عن رجل الحياة معه ليست حياة، والعمل ساعدها في أن تجد هذه المكانة، مما يتعارض مع بعض الآراء المنشورة في الصحف في تعليقها على هذا التقرير، هذه الآراء الغريبة والتي لم تعد تواءم المرحلة التي نعيشها، حيث ترى بأن الوظيفة تجعل المرأة مقصرة بالوفاء في حقوقها الزوجية! ولو ألقينا نظرة سريعة على حال المجتمع وبالعين المجردة سنعرف من أين يأتي التقصير؟ فهو يترنح بين إهمال الرجل وبين ساحات الاستراحات، في حين أن المرأة العاملة دائماً تشعر بتأنيب الضمير وتحاول أن تعوّض فترة غيابها مع أسرتها، وأنا هنا لا أبرئ كل النساء، فكما أن الرجل يقصر كذلك المرأة، لكن الحالة العامة في التقصير دائماً مرتبطة بالرجل مما نرى ونسمع. المؤسسة الزوجية هي رباط مقدس، متى ما أختل أحد أركانها فإن خيار الابتعاد يظل الأفضل والأجرأ والأسلم! نقلا عن الجزيرة