×
محافظة المنطقة الشرقية

خلاف بين مدرب الاتفاق والصيعري و«أوروبي» في الطريق

صورة الخبر

تزامناً مع احتفالات الكويت عاصمة للثقافة الإسلامية، نظمت الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية ملتقى بعنوان «الفن الإسلامي إطلالة حديثة ومعاصرة» تضمن سلسلة من المعارض واللقاءات والنقاشات الفنية والزيارات لمتاحف الآثار الإسلامية (متحف طارق السيد رجب ومتحف دار الآثار الإسلامية)، بغية تعزيز التواصل بين الفنانين العرب وتشجيع البحث والمساهمة في الحوار الثقافي الهادف لفتح آفاق جديدة لمشاريع فنية تعزز موقع الفنون الإسلامية في مشهدية المعاصرة. استهلت احتفالية الملتقى الذي حضره وشارك في فعالياته عدد من الفنانين والباحثين والخطاطين العرب (من الكويت ومصر والمغرب والسعودية وقطر والأردن ولبنان) بافتتاح معرض زخارف القرآن الكريم الذي أقيم في رحاب صالة الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية، وتضمن نماذج مصورة لشواهد مختارة لبعض التحف الفنية التي تجلت في تصاميم روائع المصاحف المزخرفة عبر العصور الإسلامية. والمعروف أن المسلمين اهتموا بالمصاحف المخطوطة اهتماماً جعلها تحفاً ثمينة. وقد ظهر ذلك في دقة الزخارف المذهبة وجمالها وإبداع الألوان ونضارتها. وجاء الاهتمام الأكبر بتحلية المصاحف على وجه الخصوص في العصر العباسي، وحظيت الصفحات الأولى والأخيرة وعناوين السور والفواصل بعناية أكثر في التذهيب والزخرفة، وتطور هذا الاهتمام إلى أن أصبح لزخرفة الهوامش وتذهيبها شأن كبير، فأقبل الفنانون على تغطية هوامش المخطوطات بالرسوم النباتية والهندسية. أما المعرض الثاني الذي أقيم في قاعة المعارض الكبرى للجمعية، فقد حمل عنوان «الجمال والهوية»، جمع أعمالاً لنخبة من الفنانين الكويتيين أبرزهم: عبد الرسول سلمان وسالم الخرجي وسعد البلوشي وعبد الرضا باقر وسعود الفرج وهاشم كرم، وذلك ضمن اختبارات متنوعة الخامات والمحمولات تضع في الاعتبار أهمية الموتيفات المتأتية من الزخارف والحروف والهندسيات الإسلامية، بعيداً من نمطية تردداتها في تداوليات المعاصرة، فالشخوصية التي لطالما شكلت موقعها التعبيري المتميز في أعمال سلمان، تتبدى في تجاربه الأخيرة على هيئة قامات موشاة بأنواع من التبصيمات اللونية والإشارات الحروفية المضمرة، لكأنها الآثار المتبقية من الطيف الإنساني الذي غاب تاركاً ظلاله وأحلامه العابرة على جدار الزمن. هكذا يتحول الكائن بتعبيراته الوجودية من الحضور المادي إلى الحضور الغيبي في مشهدية تجريدية آسرة، تتكون معالمها من غيومية سديمية لا يكاد يظهر منها سوى تلافيف لحروف متعانقة في الفضاء. أما أسلوب عبد الرضا باقر، فهو يتجه إلى التقطيع المشهدي للتجمعات الإنسانية، ضمن تكاوين تتقاطع فيما بينها على مقامات ألوان الليل وأهلة القمر، ولكن برتابة وتكرار، لكأن الألوان العاتمة ورماديات الظلمة هي وحدها المقر الآمن لسكنى القلب من دون رجاء. ويقترح سالم الخرجي أنواعاً من التآليف ذات الوجهة العمودية الشبيهة بالمعلقات الشعرية، التي يتناوب فيها الزخرف الإسلامي مع التلطيخ اللوني مع عناصر التلصيق الورقي. وفي هذا النوع من المعالجة تعمل الطبقات المتتالية على إبراز ملمس اللوحة التي تخرج من حياديتها، كي تظهر كقماشة هجينة لا يصل خطابها البصري دوماً إلى المتلقي بالتصاعدية المطلوبة بسبب اهتمام الفنان بالتقنية قبل أي شيء آخر، وهو اهتمام موزع بين التعقيب اللوني والارتجال والاكتشاف الذي يسعى ليحقق جمالياته البصرية. «اللعب أساس الحرية»، هو المفهوم الذي ينطلق منه سعد البلوشي في تركيب سياقات مفرقعاته اللونية والخطوطية، ضمن حركية دينامية دائرية وتلافيف حلزونية، تتمثل كعوالم تجريدية مبهمة باهرة بمندرجاتها اللونية ومقاماتها الموسيقية الصاخبة.   الحاجة إلى اجتهادات فلسفية جديدة ناقش الملتقى على مدى يومين المفاهيم الفلسفية والجمالية للفنون الإسلامية في إطلالتها الحديثة والمعاصرة في الفنون العربية الراهنة، لاسيما مع صعود ظواهر التشكيلات الزخرفية والكتابات الحروفية في مختلف المجالات الفنية. وفي ظل المقاربة التاريخية والتراكم المعرفي في حاضرنا العربي تكمن جدلية المدرسة الأصولية وحاجات الانفتاح على التيارات الغربية. وإذا كان «الماضي عزيز علينا ولكن المستقبل أعز منه»، بحسب قول ابن خلدون في كتابه المبتدأ والخبر، فإن الفنون الإسلامية استطاعت أن تماشي تطورات الأزمنة التشكيلية في الغرب، وكانت مصدر إلهام لفنانين كثر من الغرب والشرق، إذ إن الفلسفة الجمالية للحضارة الإسلامية اتخذت طابع الشرعية الشمولية للحياة الإنسانية من خلال الذهنية التنويرية التي كرسها العلماء والفقهاء في تناولهم أحكام الشريعة وآداب الإسلام في علوم الحياة. لذا، فان الجهد الكبير الذي أبرزه الملتقى الفني، الذي نظمته الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية، يثير الانتباه إلى مسائل تجديد الوعي حيال الممارسات الفنية المعاصرة وتحديث الأبحاث التنظيرية والنقدية وفق خطوات علمية أساسها العودة إلى تفهم أبعاد الفلسفة الجمالية للتراث الإسلامي، من ناحية علاقة استثمار الجمال والإتقان في سياق ما يسمى بالوظائفية النفعية في مختلف المجالات سواء في العمارة أو الفنون التطبيقية أو العمل الفني. إن مجتمعاتنا الفنية العربية بأمسّ الحاجة اليوم إلى التمسك بالقيم الجمالية للفنون الإسلامية، المنفتحة على حوار الحضارات، وسط إشكالية سيطرة الوسائط التوليفية العالمية الجاهزة التي تؤمنها تحولات النص البصري للخط والزخرفة في عصر الميديا (تحولات العولمة الإيكولوجية والعولمة الاستثمارية). لذا، فإن الوقوف على أبعاد تجارب الفن العربي الراهن وتنويعاته في ظل المتغير والمتحول الكامن في التطور الحاصل في استخدام الخامات والتقنيات، يستدعي بلا شك رؤية جديدة أو اجتهادات فلسفية جديدة، في تحليل أبعاد التجارب الفنية المعاصرة (بين أعمال التجهيز والفن المفهومي واللوحة والرسم الجداري Calligraffiti أو فنون الشارع) التي تتفاعل بشكل غير مسبوق مع المفاهيم الجمالية للفنون الإسلامية.