هذا الحزن المتكئ على نافذة القلب يقلب بصره بانتظار حلول المساء. جثة هامدة في أوحال الحياة تثقل كاهل القطار وأصدقائه. تمنح المتأخرين فرصة اللحاق بركب التائهين، أولئك الذين تمددوا في غيابة الجب والإهمال يبدو متماسكاً هادئا بملامح باهتة. لا حزن ومظاهر فرح ولا حتى استنكار لهذا الضجيج. ممسكاً بتلابيب وقته كأنه يصبره حتى لا يستعجل الرحيل. يحملق في المجهول في الخيارات الواسعة. يفكر في موعد زفافه الذي منح الفرح كل أرجاء قريته دون أن يمسّ شغاف قلبه ولو عابراً يستنجد بأغنياته القديمة في ذاكرته حكايا الرفاق وليالي الأنس ورحلاته حين يهرب من عبث الحياة وفجيعة الواقع المُر يبدو منظره مستفزاً للآخرين كل من يجلس إلى جواره شده هدوءه المريب وقلقه الذي تشكل في فرقعة أصابعه !! يجلس إلى جواره رجل بالغ الكبر برائحة غريبة كانت تجره إلى الالتفات إليه والحديث معه لكنه مشغول بمزاجه السيئ وساعات السفر المملة. كان يشغل نفسه بسؤال صديقه الذي أوصله إلى محطة الباص. حين هم أن يخرج من السيارة استوقفه ليبث سؤاله الأخير ويمنحه فرصة التفكير طيلة الوقت - متى تخرج من عزلتك هذه؟ خدش ذاكرته لتنزف دون أن يمنعها لتتوقف. طريقه طويل ورحلته بائسة ستنتهي بزواج قروي وضحكات عالية. ورقص للخطوة ورائحة الشواء وأغنايات تخرج من أفواه تعودت أن تطأ حزنها حين ترقص (يا أهل وادي تنومة وسعوا للماء مجاري... للذي فارق حبيبه وقت عصر) لقد كانت هذه الأغنية آخر مدفع أصاب حصون عينيه قبل أن تمنح الآخرين تذكرة النظر إلى دموعه التي قاومت منديلها وأحمر الشفاه الذي تركته كتذكار لا يموت في جيبه. عقيل عسيري