في بادرة تهدف إلى إعادة مكانة الكتاب باعتباره مصدرا للمعرفة قام مجموعة من الشباب العراقيين بتنظيم مهرجانات تتمحور حول الدعوة إلى القراءة والعودة للكتاب في ظل تصاعد موجة العزوف عنه بسبب وسائل التواصل الاجتماعي أساسا. وحملت المبادرة الأبرز أثناء السنوات الماضية عنوان "أنا عراقي.. أنا أقرأ" وأصبحت حدثا سنويا ينتظره كثيرون، ونسجت على منواله مبادرات أخرى تسعى إلى جمع الكتب من متبرعين ثم تقدم مجانا للراغبين باقتنائها. يقول الصحفي أحمد العاني إن هذه المهرجانات أعادت الاعتبار بشكل كبير للكتب بعد أن هجرها معظم الشباب واتجهوا إلى مواقع التواصل الاجتماعي بفضل مثقفين عراقيين دعموها وروجوا لها. وأضاف العاني أنه رغم إعلان القائمين على هذه المهرجانات عدم تبنيهم أي توجه أيديولوجي فإنها ذات طابع ليبرالي أو يساري واضح، ولديها مشكلة مع أحزاب "الإسلام السياسي"، وهو ما يجعلها محدودة التأثير في بعض المناطق رغم تفاعل قطاعات واسعة من الشباب معها. وقال إن هذه المهرجانات "ما زالت عاجزة عن تقديم رؤية لإصلاح الواقع العراقي، ولا سيما الشق الثقافي منه، لأنها تخشى الصدام مع المؤسسة الدينية لخوفها من تعرضها للتحريض أو إصدار فتاوى بحقها". انتشار سريعوعادة ما يعلن عن هذه المهرجانات قبل أشهر من انطلاقها، وتتبع ذلك حملات لجمع الكتب عبر متطوعين يجمعونها من المكتبات العامة والمؤسسات الثقافية وحتى من المنازل، ثم يقام المهرجان مترافقا بتغطية إعلامية واسعة، وهو ما ساهم في انتقال التجربة سريعا من بغداد إلى مدن أخرى.بالإضافة إلى الكتب ترافق المهرجانات نشاطات ثقافية وفنية مختلفة (الجزيرة) وتقول أسيل ثائر -التي استطلعت الجزيرة نت رأيها في المبادرة- إنها حضرت قبل سنتين مهرجانا للقراءة وسط بغداد أقامه ناشطون مستقلون وبدأت تعمل معهم في جمع الكتب ونشر الدعاية لهذه المهرجانات. وأضافت أن هذا النشاط يمكن أن يجنب المجتمع الانخراط في نزاعات طائفية "لأنه يسهم في التوعية ونشر المعرفة"، بالإضافة إلى ما يمثله من توظيف لطاقات الشباب الإيجابية لصالح المجتمع. من جهته، يؤكد يوسف عدنان أنه استطاع تكوين مجموعة من المهتمين بالقراءة على تطبيق "واتساب"، وبدؤوا بعرض الكتب التي يقرؤونها وتبادلها، ثم تطور الأمر إلى التفكير بعمل مهرجان كبير في الكلية التي يدرسون فيها. وأضاف عدنان أنهم سيسعون لتجسيد فكرة المهرجان إلى واقع مطلع السنة المقبلة بعد أن وجدوا تفاعلا كبيرا من زملائهم الطلبة، معتبرا أن التوعية ونشر الثقافة يمكن أن يغيرا كثيرا واقع العراق المزري، على حد تعبيره. الصورة النمطيةهذه المبادرات بدأت في بغداد وانتشرت في المدن الأخرى تباعا، لكن اللافت أنها باتت تقام في مدن كانت تصنف إلى وقت قريب "بؤرا للعنف وساحات للقتال" كتكريت وسامراء والرمادي. وأقيمت مهرجانات في هذه المدن وسط إقبال جماهيري كبير، ومؤخرا أقيم في منطقة الأعظمية ببغداد مهرجان كبير للقراءة عرض فيه أكثر من ثلاثة آلاف عنوان في مختلف مجالات المعرفة ووزعت مجانا على الزائرين.جانب من الحاضرين في مهرجان الأعظمية للقراءة (الجزيرة) ويقول عضو اللجنة التحضيرية لمهرجان الأعظمية للقراءة بكر العبيدي إن إحدى رسائل المهرجان هي أن الأعظمية التي عرفت في سنوات خلت باعتبارها منطقة مضطربة أمنيا أصبحت اليوم مركزا للإبداع والنشاط الثقافي، معتبرا أن محاولات تشويهها وتصويرها "وكرا للإرهاب" أصبحت من الماضي. وأضاف العبيدي للجزيرة نت أن المهرجان "اجتذب شبانا من مختلف مناطق بغداد حتى الشيعية منها رغم ما يصوره البعض من كون الأعظمية ذات توجه طائفي". وصاحبت المهرجان عروض مسرحية وغنائية وشعرية وتشكيلية، وهو ما سيسهم في تغيير الصورة السائدة عن المدينة ويحرك النشاط الثقافي فيها، برأيه. ولفت العبيدي إلى أن الأعظمية تحتضن الكثير من المثقفين والمبدعين، لكنهم حرموا أثناء السنوات الماضية من أن يكون لهم دور لأسباب مقصودة وغير مقصودة، مشيرا إلى أن هذا المهرجان سيعيد الاعتبار إلى أبنائها ولأدوارهم التي عرفوا بها تاريخيا في بناء وتشكيل الحركة الثقافية العراقية.