ظلام إلى عبدالله البردّوني سيد المبصرين والبائسين * من آخر الليل حتى صبح أشتاتي أتيهُ بين غواياتي وتوباتي مُمزّق الروحِ لا تدري مضاجعُنا من أين يأتي حديثُ الذّاتِ للذّاتِ من أين ينسجُ خيطُ العنكبوتِ لنا هذا السُّهادَ بهذا المظلم الشّاتي تدبُّ فوق عروقِ القلبِ ذاكرةٌ لم يبقَ منها سوى أشتاتِ أشتاتِ محمّلين على نعش القصيدِ، وفي مقابر الصمتِ نشكو من غدٍ آتِ غدٍ يحمّلنا - من فرط خيبتنا - أحفادُنا فيه لعْناتِ النهاياتِ نورّث الوجعَ المحمومَ في غدِنا وما ورثنا سوى موتٍ ومأساةِ ما كان أَوْرَثَ أُولانا لآخِرِنا إلا أحاديث أمواتٍ لأمواتِ يعودُنا زمنُ الأجداثِ يا أبتي ليحتمي في تجاعيد المعاناةِ يمتدُّ في وَجَعِ الأحياءِ مُذْ دَرَجُوا في مهدهم، واستفاقوا في القياماتِ يا سيدي وظلام الليل يسحقنا حتى أفقنا على جوعِ الصباحاتِ لا الفجرُ يسمعُ ما أَدمَتْ حناجرُنا ولا حجابُ الرّؤى فضّتهُ مرآتي إنّي تحسّستُ هذي الروح.. كان بها شيءٌ من الحُلمِ في أشجى رباباتي والآن لا وترٌ يحمي غناء فمي ولا صلاةٌ تداوي حَرّ دمعاتي إني أقلّب هذا الليل.. يوجعُني ألا تعود إلى قلبي صلاواتي ولا النبوّات تُدنِيني لأكتُبّها شعراً.. فقد سُلِبتْ منّي نُبوّاتي وكيف أحلمُ والتابوتُ في أفقي يدنو، وقد بَعُدت عنّي بداياتي فإن مضيتُ فلا طيني يساعدُني ولا غُرابي يُواري عُمر سوءاتي يا آخر الليلِ ما أبقيتَ لي وطناً يحمي فؤاديَ من حُمّى ارتحالاتي أبقيتَ لي جسداً ظلّت مشيئتُهُ تُفتّشُ الروحَ عن مسرى مشيئاتي فمذ نزلتُ وحوّائي تراوِدُني وآدمِي يتلظّى في مساءاتي يا آخر الليل أسرفتَ العيونَ لظىً فما تريدُ، وقد أبعدتَ جنّاتي؟ يا آخر الليل هات السّهدَ أنقشُهُ حقيقةً في صراطِ الانكساراتِ (*) معارضة لقصيدته: «عرافة الليل» التي مطلعها: يا آخر الليل يا بدء الذي ياتي.