×
محافظة المنطقة الشرقية

محافظ النعيرية يناقش «تعثر» مشاريع المياه

صورة الخبر

النسخة: الورقية - سعودي أكتب لكم من بكين، حيث أشارك ضمن الوفد الصحافي السعودي المرافق لولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز في زيارته الرسمية للصين هذه الأيام. لا يمكن التحدث عن الصين في مقالة عابرة. كل شيء تراه أمامك ضخماً. حدود العاصمة بكين وأنت تحلق في الطائرة ليلاً لا تنتهي. تتوقع أن تشاهد بكين وأنت على ارتفاع آلاف الأمتار، منطقة مركزية مضاءة حتى وإن اتسعت كما هي الحال عندما تطير فوق معظم عواصم العالم ليلاً. بكين فعلاً ليست كذلك، فهي مترامية الأطراف ولا ترى لها حدوداً. تهبط الطائرة وتسير بنا على الأرض في طرق طويلة قبل أن تصل إلى موقفها المحدد. مباني المطار مترامية هنا وهناك، وكل مبنى مجهز بعشرات الممرات المخصصة للطائرات. في الطريق إلى مكان الإقامة ترى سيارات المرسيدس الفارهة كما لو أنك تسير في أحد شوارع شتوتغارت الألمانية بل وأكثر. في الجهة المقابلة تلفت انتباهك نقطة لتحصيل رسوم استخدام الطريق وقد زينت هندسياً بالديكور الصيني الأحمر ورسومات الدراجون. المباني في شكل عام رديئة الجودة وتصاميمها باهتة ما عدا الجديد منها، وهذا يتمركز فقط في منتصف المدينة، حيث المنطقة التجارية. وحدات التكييف المحاطة بالسياج الحديد التي تشوه المباني تذكّرني بمباني الرياض وبيروت في السبعينات الميلادية. لكن ذلك لم يمنع بلدية المدينة من السماح لشركة ساعات رولكس بوضع لوحة إعلانية ضخمة ومضاءة فوقها. اجتماعياً الصين انتقت من الرأسمالية ما شاءت، وأبقت على ما تريده من أنظمتها القديمة. فمثلاً لا يمكنك الدخول لمواقع معينة في الإنترنت كفيسبوك أو تويتر أو يوتيوب على رغم جلوسك في مقاهي «ستاربكس» المنتشرة في كل مكان. هذه المواقع الشهيرة محجوبة تماماً عن المستخدم الصيني. هنا تلحظ الديكتاتورية القديمة بجلاء، لكنك كسعودي تتساءل أيضاً وبإعجاب عما لم تفعله الحكومة السعودية الذي يتهمها البعض بالديكتاتورية الشمولية ذاتها. فالمملكة ومنذ قدوم وسائل الاتصال الذكية لم تمنع شيئاً على الإطلاق إلا إذا استثنينا حجب مواقع الإباحة القذرة، وهذا مطلوب بلا أدنى شك. المملكة قررت ومنذ أيام المؤسس، رحمه الله، تقبل الجديد والتعامل معه حتى لو كان ذلك سبباً للمعارضة والاستنكار من بعض المتشددين. من يفعل ذلك هو المتفائل الواثق الذي لا يوجد لديه ما يخفيه. سورية في المقابل وعلى سبيل المثال ومثقفوها ومعظم مثقفي عرب الشمال هم من كان ينعتنا بتلك الصفات، لم تسمح بالفاكس ولا آلات الصرف الآلي إلا في وقت متأخر من اختراعها. الصين تعتبر من الدول النامية، ولذلك يجب ألا تتفاجأ بشيء قد لا يخطر لك ببال في هذا الزمن المتسارع في أدواته التكنولوجية. فمثلاً، المعاملة المصرفية وأسلوب البيع والمحاسبة هنا في بكين سيئة جداً. كنت في مركز تجاري كبير أريد شراء قطعة معينة، واضطررت بعد اختياري لها وحمل ورقة صغيرة مكتوبة بخط اليد وترتبط بثلاث نسخ ملونة إلى المشي لمركز موحد للمحاسبة داخل المتجر يبعد كثيراً عن مكان العرض. هذا المركز غاية في التعقيد، وقد تنتهي بك الحال إلى ما فعلته بنفسي قبل قليل، ذلك أنني ألغيت فكرة الشراء برمتها بعد المعاناة التي خضتها جيئة وذهاباً، وبعد أن تعقدت عملية السداد. يبدو أنه لا توجد شبكة موحدة للمخالصة المالية كما هي الحال في معظم دول العالم. تجد أمام المحاسب عشر أجهزة اتصال واحدة لكل بنك، وإن كنت كحالي يحمل بطاقة ائتمان أجنبية، فالموضوع كاليانصيب. فإما تصيب أو تخيب، والمحاسب الواقف أمامك في كل الأحوال يشعرك بالملل والضجر، بمعنى أنه غير متحمس على الإطلاق لخدمتك. هل هذا بسبب غياب المحفزات؟ ربما. لكن ومع ذلك فمكونات هذا البلد الاقتصادية ضخمة ولا يمكن إغفالها. يكفي أنها تستورد اليوم ما يوازي ستة ملايين برميل من النفط الخام سنوياً (منها 1.2 مليون برميل من المملكة)، إضافة إلى إنتاجها الذي لا يتجاوز أربعة ملايين برميل في اليوم. بعد مأدبة الغداء الرسمية الأنيقة التي أقامها نائب رئيس الجمهورية على شرف ولي العهد السعودي واللقاء بعد ذلك بساعات معه في مكان إقامته الخاص وما تخلل ذلك من حديث لا يمل معه، وهو حديث الأب للأبناء، توجهنا إلى اللقاء مع الوزراء السعوديين المرافقين وهم وزراء التجارة والبترول والمالية والثقافة والإعلام ووزير الدولة للشؤون الخارجية. أطلعنا الوزراء في ما يشبه المؤتمر الصحافي في تنظيمه على أن هذه الزيارة مفيدة جداً، وتمخضت عن توقيع اتفاقات مشتركة عدة سياسية واقتصادية وتجارية. تحدث وزير المالية في إجابته عن سؤال طرحته له حول استثمارات المملكة الخارجية، ولماذا لا ترتفع إلى المستويات المأمولة، ويتم تفعيل شركة «سنابل» لشراء مؤسسات صينية واعدة، وما إلى ذلك. أجاب الوزير بأن هذه الاستثمارات موجودة وضخمة ومتنوعة وليس شرطاً أن تقع تحت مسمى معين كالصندوق السيادي. استثمارات أرامكو في الصين واليابان والولايات المتحدة وغيرها تعتبر هائلة. دخول صندوق الاستثمارات العامة في العديد من المشاريع مع الأطراف الأجنبية هو الآخر كبير وضخم. ما أوضحه الوزير حقيقة مقنع، إذ قرأنا بالفعل عن شراكات كهذه في المصافي البترولية. أدركت أن مشكلتنا ربما في ندرة المعلومات أو بعبارة أدق تنسيق المعلومات ووضعها أمام الباحث أو المتلقي بطريقة يسهل فهمها وحسابها. من المعلومات المذهلة أيضاً ما أدلى به الوزير السعودي النعيمي عن أن حاجة الصين من البترول في العام ٢٠٣٠ سترتفع إلى ١٨ مليون برميل من النفط الخام يومياً. أرقام مخيفة. من أين سيأتون بهذا الكم من البترول الخام وبأي سعر؟ وقفة تأمل هنا لمن يراقب أسعار البترول العالمية وما تلك السنة عنا ببعيدة. أما الشق الخاص بالتجارة التي تهم المستهلك ما تحدث به وزير التجارة عن الغش التجاري ومشكلة إغراق الأسواق بتصدير بعض البضائع الصينية التي لا ترتقي للجودة المناسبة. هنا يقول الوزير بأنه تم توقيع اتفاق بهذا الشأن مع الحكومة الصينية يساعد في مطاردة من يقدم على مثل هذه الممارسات من الطرفين، سواء كان المستورد المتعاون أم المصدر. ويهيب الوزير بتكاتف المستهلك مع الوزارة للكشف عن أي بضائع رديئة تمت إجازتها ووصلت إلى الأسواق. أتوقف هنا للإشارة إلى أن ميزان التجارة بين البلدين يتجاوز 70 بليون دولار سنوياً لمصلحة المملكة. أعجبت كثيراً بالتنظيم الذي شاهده الجميع، وهذا يحسب للطرفين. وأيضاً بمستوى الخدمات التي قدمها الصينيون للوفد الرسمي إذا استثنينا عامل اللغة وصعوبة التحدث مع السائق، لكن لا شيء فاق في أهميته عندي أكثر من مشاهدة عدد كبير من الطلبة السعوديين الذين تطوعوا للعمل مع السفارة السعودية في الصين في خدمتنا وتسهيل تنقلاتنا. هذا شاهدناه منذ أن وطأت أقدامنا أرض المطار. هؤلاء الطلبة يتعلمون شتى التخصصات، ويتحدثون الصينية بالطبع وبطلاقة وهم المحور الأهم في التواصل مع الطرف الصيني. شباب يتقد بالحيوية والتفاني ويتمتع بشخصيات مريحة لا تفارقها ابتسامة الزهو والفخر. عندما تتصور العدد الإجمالي لهؤلاء حول العالم وهو يقترب من نصف مليون شاب وشابة مع استمرار برنامج خادم الحرمين الشريفين الطموح للابتعاث تعود إلى تلك القناعة التي أشرت لها قبل قليل وهي تطلع المملكة الجريء نحو المستقبل بلا خوف ولا إرجاف. ونحن نعلم أن لهذا البرنامج معارضين أيضاً. لهؤلاء في الصين ولجميع طلابنا وطالباتنا حول العالم، نتطلع إلى عودتكم سريعاً للنهوض ببلادنا إلى آفاق جديدة لطالما تطلعنا إليها.   * كاتب سعودي. fdeghaither@gmail.com       @F_Deghaither