جياد جامحة وأخرى ساكنة. جياد تركض وأخرى تمشي الهوينا. فرسان مترجّلون أو يمتطون صهوة الواقع الثائر حيث الأفق البعيد واندفاع لا نهائي نحو الأشكال والألوان والخطوط والظلال... هذه المشاهد جسّدها خمسون فناناً وفنانة من أرجاء العالم العربي في معرض «الجواد العربي الأصيل» الذي استضافته صالة «مصطفى كامل» في الإسكندرية. بمفردات معبِّرة وعميقة، صاغ الفنانون لقطاتهم الفريدة التي ظهرت صاخبة نابضة في بعض اللوحات، هادئة ناعمة في لوحات أخرى، غير أن كثيرين منهم نجحوا في إيصال مقدار كبير من الجدية التي تكاد تصل الى حد التجهّم، وذلك عبر تفاصيل مختبئة لتضاريس مختلفة وبيئات متنوعة أثّرت في رؤية كل فنان وإحساسه وشعوره بلحظة إبداعية تعبيرية استرقها من حضور اللون وغيابه بغية تسجيل لحظات زمنية فاصلة اقتحمت عشق العرب للخيل. هذا العشق الذي عبّرت عنه وجسّدته المدارس الفنية القديمة والتقليدية (اللقطة الواحدة)، والمدارس الحديثة المعالجة رقمياً. فقد تحولت لقطات الكاميرا حالات فنية فتيّة شديدة التنوع والزخم، وأظهرت بدقة التباين الفجّ بين بيئة البادية بفطريتها وقوة رموزها اللونية، والتي غلبت عليها الألوان الترابية الساخنة، كالأصفر والبرتقالي بتنويعاته، وبيئة الحضَر بتمدنها وزخارفها المرتبة الدقيقة وألوانها الساحلية المتناغمة. كثير من المشاركين ركبوا صهوة «حصان التراث»، وأظهروا مهارة وقدرة فائقتين في إبراز التفاصيل الدقيقة للحصان ووجهه وجدائل شعره ودقائق رموشه وحوافره وأظافره. في المقابل، صوّر آخرون لحظات خاطفة لحركات الحصان، ثم عمدوا إلى معالجتها تكنولوجياً من خلال برامج «الغرافيكس»، في حين أشار بعضهم الى الحصان في شكل رمزي. لكن اللافت في المعرض رسائل الحرية التي أرسلتها الخيول، عبر حركاتها النابضة وانطلاقها نحو الأفق البعيد وركضها اللانهائي نحو المستقبل، وكأنها تشارك العرب ثوراتهم وقلقهم وأحلامهم وتطلعهم نحو مستقبل قريب مشرق. إلى ذلك، تناول عدد من الفنانين سباقات الخيل وحياة الفرسان والرحلات الى الصحراء والتخييم، كما تناول كثير منهم «بروفايل» (شكل نصفي) لوجه الحصان، مستعرضين الأسرار البصرية الكامنة وراء حركاته وسكناته. وقال الفنان التشكيلي العُماني إبرهيم الزجدالي إن «العرب تحب الخيل، وتبالغ في إكرامها، وترى العز والزينة بها، وقهر الأعداء على ظهورها. وأبدع العرب في تصوير الحصان العربي شعراً وفناً، فهو أجمل سلالات الخيول على الأرض، كما ان تفاصيل جسم الحصان ثرية تظهر مدى قوة ملاحظة الفنان وتميزه». واعتبر الرسام التونسي عبدالله عامر أن «ليس من المهم ما تراه العين، وإنما ما تستدعيه المرئيات من خواطر تحرّض الخيال على إكمال المشهد، والتحليق بعيداً في الزمان والمكان» واستدعى الفنان السوداني مصطفى أحمد جتالمو إحدى الأساطير القديمة في لوحته التي عالجها من خلال الـ»فوتوشوب»، فقدَّم الحصان السحري بقرنيه البلوريين، مؤكداً الخطوط العضوية بنقاط متقطعة ليعبّر عن علاقة لا تهدأ بين مكنونات الأرض وعناصر الجو والهواء. وقدمت فاطمة الزهراء لوحة سوداء توجز وجهاً ناعماً لحصان حزين ينسدل شعره البرتقالي برقة على جبهته، إذ يخفي حزنه وكأنه فارق صاحبه ويكاد ألم الفراق أن يصهره. ونُظّم المعرض ضمن سلسلة معارض مُتخصصة تقام تباعاً في الفنون العربية الأصيلة، كالخط العربي والشعر والحرف التقليدية وتربية الخيول والإبل. الفن