×
محافظة الرياض

مكس اف ام تتميز في تغطية سباق المؤسس عبر الأثير

صورة الخبر

النسخة: الورقية - دولي تتبع القوى السياسية الفاعلة ممارسات تقوم على التكتيكات المتعاقبة، أو المعاني والمقاصد الجزئية، تطغى في شكل يكاد أن يكون تاماً، بينما المشهد العام يقوم على لحظة فارقة، اهتز فيها الوضع القديم برمته، بل يبدو كأن هناك انقلاباً عليه خاصيته أنه لا يتخلص منه ولا يستولد ملامح الجديد المفترض. ينطبق ذلك مثلاً على العدوان الإسرائيلي على غزة هذا الأسبوع. هناك تفصيلات تفرض التوقف عندها، كغياب تناول الخسائر البشرية، على رغم إعلان الجيش الإسرائيلي شنه 29 غارة، قال إنه دمر بواسطتها منشآت إطلاق الصواريخ ومراكز تدريب. فإن كان الطرف الإسرائيلي غير معني بحصر الخسائر البشرية التي ربما تسبب بها، ويتناول عمله من زاوية «تقنية»، فمن المستغرب ألاّ تطرح الأطراف الفلسطينية الأمر، وأن تسود بياناتها هي الأخرى لغة معقمة. فإما أنه، ولحسن الحظ، لا توجد خسائر بشرية، ما يعني أن العملية محدودة وفي غاية الدقة، رغم استعراضيتها المقصودة، وأما أن هناك خسائر بشرية لكنها تُعامل كمسألة ثانوية جداً مقابل المقاصد. الأخيرة تظهر كتكتيك خالص: «الردع» الإسرائيلي الذي قصد الإرهاب من دون الانزلاق إلى أي تورط بخطوات ميدانية، على رغم التصريحات النارية لليبرمان، وزير الخارجية، عن إعادة احتلال غزة وتطهيرها. قبل ذلك، والأهم لهذه الجهة، عملية «كسر الصمت» أي إطلاق صواريخ على مناطق تقع في المنطقة التي باتت تسمى «غلاف غزة»، والتي أعلن «الجهاد الإسلامي» شنها رداً على اغتيال ثلاثة مقاتلين من صفوفه قبلها بأيام. وضعية مضبوطة تماماً، أبرزت إسرائيل بواسطتها شراستها وتبجحها بالقوة، وهما معتادان ويشكلان جزءاً من هيئتها العامة، وأكدت في الوقت ذاته عزمها على ترك العرب «يتدبرون» أمر دمارهم بأنفسهم، بلا حاجة لتدخلها الفعلي. وقد يصح هنا أيضاً واستطراداً، القول إن «الحادث» أبرز مجدداً مأزق إسرائيل حيال القطاع، الذي لا قِبَل لها على احتلاله ولا على صوغه وفق مشيئتها، ولا تملك غير تكرار أمنية رابين بأن يبتلعه البحر... وأما الطرف الثاني في هذه الوضعية المضبوطة، الفلسطيني، فيـبدو ساعياً وراء غايـات لـعل بينـها تذكـير إسرائيل بشروط الهدنة السـابقة، في وقـت تعـود فـيه إلى تـكرار اغـتـيالاتـها لـ «أهداف» في الضفة وغزة على حد سواء. لكن البارز هو ما يتجاوز هذه الغاية. وهو يبدو كأنه يقصد تحقيق التخاطب الغزاوي المقطوع مع مصر التي أعلنت قبل أيام حركة حماس كتنظيم «إرهابي»، فجاءها الجهاد بعمل تضطر فيه إلى اتخاذ موقف. بل ثمة تقديرات تمعن أكثر في وصف الجاري كلعبة بالمعنى الحرفي (game). فتشير إلى مقصد السلطات المصرية التعامل مع طرف آخر غير «حماس»، يُبرَز كمرجع فاعل في شؤون القطاع، وهو هنا «الجهاد الإسلامي» الذي تكلم عن تثبيت الهدنة بمساعدة «كريمة» من مصر. كل ذلك جميل! وهو ممارسة للسياسة بمعناها الشائع، وفي الوقت ذاته ترسيخ لفكرة شائعة هي الأخرى، تقول إن تلك هي في الحقيقة الصيغة الوحيدة لما يسمى «السياسة»، وأن ما عداها وهمٌ أو طوبى. أما كيف يُبرز ذلك المسألة الفلسطينية كماهية و «جوهر»، أو يساعد في الدفع إلى بلورة وعي بمأزق العمل الوطني الفلسطيني - القائم بشدة ولأسباب جلها موضوعي، ولكن ليس فحسب - وتلمس مخارج له، فعلمه عند الله وحده. مثال آخر يتعلق هذه المرة بما يبدو أقل شأناً وخطراً من اللعب بمعطى المسألة الفلسطينية. لماذا يستمر اعتقال علاء عبدالفتاح في مصر الذي مضى على توقيفه زمن من دون محاكمة؟ تهمته انه دعا إلى تظاهرة غير مرخصة. لكن صفته ككاتب ومدوِّن وناشط، بل كأحد المحركين الشبان للانتفاضة المصرية، كان يفترض أن توازي مخالفته تلك. التكتيك السلطوي يريد تثبيت سياسة «العين الحمرا». مفهوم، لكنه تكتيك قصير النفس، لا يفعل سوى إثبات خصائص السلطة القائمة بوصفها شبيهة بالتي جرى الانتفاض عليها في 25 يناير، بل أكثر منها تسطيحاً، لجهة توسل تكتيك وحيد هو تسعير الاستقطاب الثنائي الحاد، ولو بأدوات الخرافة: معنا أو ضدنا... بينما لم تكن الدنيا يوماً ابيض وأسود، ولن تكون. وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على اعتقال خالد حمزة منذ أقل من شهر. والرجل اشتهر بصفات «نادرة» في محيطه. فهو مثقف عميق، ومتخلص من عصابية الإخوان وانغلاقهم، تبنى وأعلن مواقف تُخالف آراء قيادة «الإخوان» ومكتب الإرشاد (مما لا يحدث عادة! فهنا يُربّى على الطاعة والانضباط الكاملين). وعلى رأس ما انتقد وعارض، قرار ترشيـح محمد مرسي للرئاسة. وحمزة متحرر في شكل لافت، ويعتبر أن تنظيم «الإخوان» لطالما عاش على القمع الذي طاوله، ولا يدعو لدولة إسلامية، بل لاعتماد العمل المدني والسلمي في السياسة، ويقر للأقباط والنساء بالمـساواة الكاملة في كل الحقوق. وأثناء رئاسته تحرير موقع «إخوان اونلاين» بالانكليزية، ميّزه في شكل صارخ عن نظيره بالعربية، وأظهر لهذه الجهة اهتماماً بكل وجهات النظر، وبالأخص تلك الصادرة عن التيارات الأخرى، الليبرالية واليسارية والشبابية. بل عزز في عـمله وآرائه فعالـية ذلـك القـسـم من شباب «الإخوان» الذي عصي أوامر قيادة التنظيم، وتحرر منها (وهو ما يصل حمزة لوصفه بالانقلاب عليها)، واحتفى بالمنشقين عن التنظيم واعتد بآرائهم... فما معنى اعتقاله، حتى على مستوى التكتيك؟... حيث يفترض أن يجيد الطرف السلطوي اللعب بمثل هذه الظواهر تغذية للتشقق الداخلي في تنظيم «الإخوان» المعيّن كالعدو الرقم واحد. ولكن، وعوضاً عن توسل ذلك، أو عن التحوط تجاه الـمسـتقبل، يجري هنا تفضيل التكتيك «الأبسط» والأكثر مباشرة وجلافة: وضعهم جميعاً في وعاء واحد، والسلام. بل ربما الخوف أكثر مما يمثل خالد حمزة، والرغبة في محق هذا «الاحتمال». وهو ما ينم عن فقر ذاتي قبل أي شيء آخر... عن مستنقع يُسبح فيه طولاً وعرضاً. تكتيكات، كلها لا يَرى ما هو أبعد من أنفه.