×
محافظة المنطقة الشرقية

أغيري: الوحدة يهدف للبقاء بالقرب من الصدارة

صورة الخبر

الميزانية التي ستصدر اليوم يترقبها المواطنون جميعا في الداخل والساسة وصناع القرار والمنظمات ومراكز الأبحاث ورجال الأعمال والمال في الخارج الزخم الكبير من الحماس والتفاؤل الذي واكب وأعقب إطلاق رؤية السعودية 2030 قبل 8 أشهر أطلق على مدار الشهور السابقة مجموعة كبيرة من الأسئلة الحائرة عن تفاصيل لا تتضمنها الرؤية بطبيعة الحال، لأنها رؤية تنطوي على عدد كبير من البرامج، ويحتوي كل برنامج على عدد متزايد من المبادرات، ولم يعلن إلا بعض هذه البرامج في الأشهر الماضية، مثل برنامج التحول الوطني 2020، وتوفير التريليون ريال من المشاريع غير المعتمدة عدا الموفر من المشاريع التي أعيد التفاوض بشأنها. ولأن طبيعة الرؤية لا تدخل في تفاصيل البرامج والمبادرات، ولأن العديد منها يجري العمل عليها ولما تنته بعد، تكررت الأسئلة والتكهنات والمخاوف، وصرنا نسمعها في المؤتمرات واللقاءات في الداخل والخارج من السعوديين وغير السعوديين، تندرج تحت أسئلة عريضة هي: الرؤية جيدة وطموحة ولكن هل هي قابلة للتنفيذ؟ وهل هناك جدية في تنفيذها؟ وهل بيع نسبة من أسهم أرامكو يؤثر على سيادية الدولة؟ وهل من المعقول أن نحل مشاكل الميزانية من جيوب المواطنين؟ وهل مشاركة السعودية في قوات التحالف لإعادة الشرعية في اليمن تستنزف جزءا كبيرا من الميزانية؟ وهل البيروقراطية والفساد المعششين في كثير من أجهزة الدولة يشكلان الحكومة العميقة التي تجهض أي محاولة للإصلاح؟ هذه الأسئلة وغيرها سمعها كل الناس بشكل أو بآخر، وتراوحوا ما بين متشائم وحذر وقلق ومترقب ومتفائل، في ظل عدم وجود أجوبة شافية كافية مدعمة بالأرقام والبرامج والنتائج في وقتها، لأن الناس لا يميلون إلى الوعود والشعارات والنوايا الطيبة غير المقترنة بالأفعال. الكل يعلم أن السعودية دولة ريعية في كثير من الأمور، وأن دخلها وميزانياتها يعتمدان على "طويل العمر" البترول، وأن انخفاض أسعار البترول شكّل أزمة حقيقية في ميزانيات الدول المنتجة له بنسب متفاوتة، ولو قلنا إن السعودية مثل موظف كان يتقاضى راتبا قدره 14 ألف ريال وانخفض فجأة إلى أقل من الربع، ووصل إلى 3 آلاف، ثم ارتفع إلى خمسة آلاف ريال، في حين استمرت مصروفاته كما هي إن لم تزد أحيانا، فإنه يحتاج بالتأكيد إلى بعض العلاج المؤلم لفترة مرحلية حتى تتوازن أموره، والملاحظ أن العلاج المؤلم كان في حدود الشحم واللحم المترهلين، ولم يصل إلى العظم، وهو في حالتنا هذه "الرواتب"، وتذويب الشحم وشد العضلات المترهلة لا يتمان إلا ببرامج واقعية وعملية واضحة ومقنعة للجميع. عندما بدأت التدريس بعد التخرج أُعلنت الميزانية في أحد الأيام، وكانت في حدود 170 مليارا فيما أذكر، وسألني أحد الزملاء العاملين الكبار في السن وقتها قائلا: 170 مليارا كم ريال يعني؟، وأتصور أن كثيرين مثله لا يعلمون كم تساوي الميزانية في ظل جهلهم بالدخل الحقيقي من البترول والإيرادات والمصروفات ورصيد الحكومة وغيرها، بل يتعدى ذلك إلى المراكز والمؤسسات المالية العالمية في ظل عدم وجود شفافية ونظام إفصاح، فمنظمة الشفافية الدولية عندما أجرت المسح الاستطلاعي الأخير عن ميزانيات الدول في 2015، وضعت ترتيبا للدول التي توفر معلومات عن ميزانياتها ما بين كافية أو غير كافية "محدودة أو الحد الأدنى منها متوفر أو نادرة"، وعددها 100 دولة، وضعت دولتين خارج هذه المعادلة إحداهما السعودية، وقرأها الناس خطأ وقتها، أن السعودية أقل الدول شفافية في العالم، وحين تصدر لأول مرة في تاريخ المملكة ميزانية بشفافية تكاد تصل إلى الحد الأعلى من المعايير الدولية، فهذا يعني أننا بدأنا نعرف إجابة سؤال 170 مليارا كم يساوي. الميزانية التي ستصدر هذا اليوم يترقبها المواطنون جميعا في الداخل والساسة وصناع القرار والمنظمات ومراكز الأبحاث ورجال الأعمال والمال في الخارج. ففي الداخل يبحث المواطن القلق عن أرقام تبدد قلقه، وبرامج تبعث في داخله الطمأنينة لحاضره ومستقبله ومستقبل أبنائه، وفي الخارج يبني السياسيون والاقتصاديون خططهم وقراراتهم وسياساتهم واستثماراتهم مع السعودية من خلال الميزانية والبرامج التي تطلقها الدولة. ولعل أكثر لحظة تقاطع فيها الناس مع رؤية 2030 والتحول الوطني 2020 كانت لحظة إعلان قرارات البدلات والأسابيع التي تلتها، فمن الطبيعي أن يستاء من نقص دخله الشهري بسبب إلغاء حزمة من البدلات، ومن المنطقي أن يتأثر صرفه نتيجة ذلك، ومن الإنساني أيضا أن يعبر عن تأثره بما شاء من تعبيرات عدم الرضا، ولكننا جميعا نردد في مجالسنا أنه من الغبن أن نصرف بدلا لمن يستخدم الحاسب في زمن يستخدم فيه الأطفال دون سن الدراسة الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية ببراعة، ومن الظلم أن يجامل المسؤول أحبابه من المقربين بانتدابات في الداخل والخارج تمتد لأشهر، وتذاكر الدرجة الأولى بالسعر الأعلى وفنادق الخمس نجوم، يسافر أياما ويقضي البقية في بيته وانتدابه ساري المفعول، في الوقت الذي يعاني فيه أبناؤنا وبناتنا من البطالة ومعيشتهم في حدود الكفاف. من يتابع اليوم الميزانية ويقرأ جيدا برنامج التوازن المالي، سيعلم علم اليقين أن السعودية بدأت فعليا في الخروج من تأثير الأزمة الاقتصادية، ونجت من كارثة الوصول إلى شفير الإفلاس الذي سيترجم إلى انخفاض سعر الريال، والمساس برواتب المواطنين، والركود الاقتصادي، وأن العبور إلى بر الأمان لن يستغرق سوى وقت يسير، ولن تتأثر معها رواتبهم بل سيزيد دخلهم. كما سيدرك الناس في الخارج جدية السعودية في تنفيذ إصلاحات بعزم ومصداقية عالية، وأن الاقتصاد السعودي بحزمة البرامج التي ستطبق في السنوات القادمة سيكون قد خرج فعليا من تأثير الأزمة الاقتصادية التي وقعت بسبب انخفاض أسعار النفط الكبير والسريع. من استمع إلى ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وهو يتحدث عن الرؤية قبل 8 أشهر، أدرك وقتها أنه لأول مرة يلمس أن بلادنا تنطلق وفق رؤية وتخطيط حقيقيين، وليس مجرد خطط خمسية يسمع بها مرة كل خمس سنوات، وأن هناك صراحة وشفافية ورؤية مستنيرة وحتى اعترافا بالأخطاء. والنخب الاقتصادية والإعلامية والفكرية وغيرها التي استمعت لأول مرة في تاريخها عن الميزانية قبل صدورها، وبرنامج التوازن المالي من الأمير محمد بن سلمان في لقاء حر وصريح منفتح لكل الأسئلة الحائرة والشكوك المعلقة، ولأكثر الأسئلة إحراجا، وحتى تلك التي لا يقولها السائل إلا بعد أن يتلفت يمينا وشمالا، ويتأكد من إغلاق جواله ثم طرحها، ووجد في نفس اللحظة إجابة تفوقها في الصراحة، مدعمة بالأرقام الحاضرة في الذهن، وفي وقت مفتوح لا تطارده عقارب الساعة، غير أن أهم من الأسئلة المحرجة والأجوبة الصريحة، خروج تلك النخب وهي أكثر اطمئنانا على مستقبل الدولة وقوة اقتصادها، ورغبة الجميع في العمل لمستقبل هذه البلاد وعبرت عنها مباشرة وبشكل صريح في تغريداتها ورسائلها، بعد أن تلمسوا أن الرؤية والبرامج تبنتها قيادة الدولة من قمة رأس الهرم الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي عهده الأمير محمد بن نايف، وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وتتابع تنفيذها، وتحاسب على التقصير فيها، وأن الإجراءات التي آلمت كثيرا من الموظفين ستعوضها إجراءات مبتكرة سيلمس الناس آثارها على دخلهم وأسرهم وحياتهم ومجتمعهم، أليس الصبح بقريب؟