باتت منصَّات توقيع الكتب في معرض الكتاب بجدَّة والرياض أهمَّ حدثٍ ثقافيٍّ مقترنٍ بمهرجان معرض الكتاب، بل ولا أبالغُ إن قلتُ بأنَّ دُوْرَ تسويقِ الكتاب صارت مُدركةً لأهميَّةِ هذه الظاهرة في نفوس كثير من الشباب السعودي (ذكورًا، وإناثًا)، فجَعَلته ضمن عروضها التسويقيَّة لتحفيز أولئك على الطباعة لديها، والنشر بدارها، وهكذا تستفيد ماليًّا، وتُحقِّق الرغبة النفسيَّة لدى أولئك الكُتَّاب الجُدد بالظهور إعلاميًّا على إحدى تلك المنصَّات. وواقع الحال، فلستُ من المُمانعين لقيام هذه الظاهرة، لكن أرى بوجوب إعادة تنظيمها بالشكل الذي يَخدم تنمية المشهد المعرفيّ بوجه عام، فليس الاحتفاء بصدور كِتَابٍ جَديدٍ على أيِّ شاكلةٍ كان، وبأيِّ مضمونٍ يكون، هو الشغل الشاغل للمثقَّف الجاد، لذلك تجد أغلبهم يَتردد في تأليف كِتابٍ جَرَّاءَ ما يَكتنزَهُ من مسؤوليَّة معرفيَّة في داخله، تجعله وَاقعًا في طور المُساءلة الدائمة لنفسه عن حجم الفائدة التي سيتركها مُصَنَّفُهُ الجديد في ذهن ووعي القارئ؟ هذا الشعور المُفعَمُ بالمسؤوليَّة بات غائبًا بشكل كُليٍّ عن وعي كثير من الكُتَّاب الجُدد، الذين لم يسألوا أنفسهم عن طبيعة ونوعية الفائدة المعرفيَّة لكِتابهم، وهل يُشكِّل إضافة في عالم النشر؟ أم سيكون مصيره سلة المُهملات، ومصانع إعادة تدوير المخلَّفات الورقيَّة؟. في هذا الإطار أشير إلى أنَّ ابتداءً ظاهرة توقيع الكتب كان مع مطلع القرن العشرين، حين أخذت دُورُ النشر في أوروبا على عاتقها مُهمَّة الاحتفاء بمَن تنشر لهم من الكُتَّاب في حينه، وما كانت ستنشر لأحدٍ لولا يقينها بأنَّ إنتاجه المعرفيَّ يستحقُّ بنسبة تفوق المئة بالمئة، وأن ما يكتبه يتوافق مع الذائقة المعرفيَّة، وتكتمل فيه العناصر الواجبة في النصِّ العلميِّ، أو الإبداعيِّ، وبغيرِ ذلك فلن تُغامر لتفقد ثقة الشارع المعرفي بها. هكذا كان الكتاب في الغرب، وحتَّى اليوم، يُمثِّل قيمةً عظمى في نفوس قارئيه، بحيث لا تتجرَّأ أيُّ دارٍ تحترم كيانها على المغامرة بنشر كِتاب لا تتوفر فيه أبجديات قواعد الكتابة، وبالتالي قواعد النشر. لكن الحال في مُحيطنا بات مُستباحًا، ليُصبح النشر تجارةً قبل أن يكون رسالةً، وصار المكسبُ الماديُّ هو الغاية، وليس زيادة المعرفة وتنمية الوعي، لهذا أخذت دُورُ النشر في التنافس على زيادة مكاسبها بتشجيع الشباب على الطباعة، وتيسير ذلك، بل وتلبية احتياجاتهم ورغباتهم في تحقيق غاية الظهور الإعلامي البَرَّاق، ولا بأس في تهيئة المصوِّرين للالتقاط الصور، ونشر ذلك في بعض الصحف، والمدوَّنات، وكل ذلك يجري دون أن يسأل أحدهم -بصفاء العارفين- عن قيمة الكتاب معرفيًّا؟ وحجم الإضافة التي يُحققها؟. في هذا الإطار أيضًا أشيرُ إلى أنَّ من حقِّ كلِّ دارٍ أن تُخَصِّصَ مَساحةً مُناسبةً في جناحها لتحتفي بمن تشاء من كُتَّابها، وتَبقَى مَنَصَّات التوقيع الرسميَّة مُنزَّهَةً عن الغث والسمين، لتحتفي بما يستحق من كتب، وفق المعايير الإبداعيَّة والعلميَّة الرئيسة، وضمن رُؤية ثقافيَّة شاملة، تُعزِّز من روح المُساءلة في وعي القارئ العربي. zash113@gmail.com