تقول إحدى "الروايات" إن رجلاً قدم للمعتصم ناقلاً له حادثة شاهدها قائلاً: يا أمير المؤمنين، كنت بعمورية فرأيت امرأة عربية في السوق مهيبة جليلة تسحل إلى السجن فصاحت في لهفة: وامعتصماه وامعتصماه. فأرسل المعتصم رسالة إلى أمير عمورية قائلاً له: من أمير المؤمنين إلى كلب الروم، أخرج المرأة من السجن وإلا أتيتك بجيش بدايته عندك ونهايته عندي. فلم يستجِب الأمير الرومي وانطلق المعتصم بجيشه ليستعد لمحاصرة عمورية فمضى إليها، فلما استعصت عليه قال: اجعلوا النار في المجانيق وارموا الحصون رمياً متتابعاً، ففعلوا، فاستسلمت ودخل المعتصم عمورية فبحث عن المرأة فلما حضرت قال لها: هل أجابك المعتصم؟ قالت: نعم. نحن في زمان -إن جاز أن نقص تلك الحادثة- فمن المنطقي أن نستبدل كلمة (الروايات) بكلمة (الأساطير).. فهكذا تقول الأسطورة حقاً في زمان تشرذم فيه العرب واستباحت ديارهم! وكأننا استيقظنا من ثُبات نومنا بين ليلة وضحاها وتذكرنا أن هناك (حلب)، وأن هناك سوريا، وأن هناك ملايين المشردين والمحاصرين، وأن هناك شعباً بأسره يذوق الأمرَّين لصالح بقاء نظام فاشي منحط، وكأن ما يحدث في سوريا وليد اليوم لا خمس سنوات ماضية، يبدو أن ضمائرنا لا تستيقظ إلا بعد تدمير المدن ومحوها وإبعادها خارج نطاق هذا الكوكب! وكم ذا ببلاد العرب من مضحكات ولكنه ضحك كالبكاء، ترتفع المساجد بالدعاء لحلب بالنصر، ولكن بعد إبادة حلب وتهجير أهلها، امتد هذا الضحك الهستيري من فرط البكاء بعد أن قام إمام جمعتنا (لا أدري بعلمٍ هو أم بجهل) بتأصيل المذلة التي نعيشها، بل والرفع من قدرها، فهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هاجر من مكة إلى المدينة فهل هذا يعني أنه هُزم؟! بل انتصر، وهذا أخوه في النبوة أيضاً هُجر من كذا لكذا وهزم أعداءه، وكأنه غفل أو تغافل عن الحقيقة، فهذه أوامر ربانية لرسل الله وأنبيائه، أما نحن فهُجرنا بذلٍ بعد قتال انتهى بخيانة وتواطؤ وتقاعس! هُجر أهل حلب بأيدينا بعد ذل وتقتيل ومذابح، ثم إن أنبياء الله هاجروا إلى أماكن أكثر أمناً لمصلحة الدعوة، أما أهالينا فما تبقى منهم هُجّر للعراء والمخيمات بأيدينا وقسوة برد الشتاء تنتظرهم، فمن لم يمُت بالبراميل يموت داخل المخيمات من قسوة البرد، أما من بعض من هُجر من المسلحين كما في مناطق الباصات الخضراء فقد انحاز إلى صفوف النظام، والباقى ترك سلاحه.. قولوا له هُجر العرب المسلمون من فلسطين منذ عقود وحتى يومنا هذا لم يعودا إليها، قولوا له هُجر المسلمون من الأندلس منذ أكثر من ثمانية قرون ولم يعودوا إليها، وبأي حق تعود إلينا؟! فنبكِ كالنساء أرضاً لم نحافظ عليها كالرجال! يكمل الرجل خطبته بعد الصلاة وليته ما أكملها قائلاً: "لا بد أن نتعاطف مع إخواننا ونشعر بهم ونتبرع لهم"!.. نتعاطف ونتبرع، حسناً، يا هذا أكان جهاد الدفع من أساطير الأولين؟! خطب وليته ما خطب، الشيوخ المحسوبون زوراً على السُّنة يستلقون في الفنادق الفارهة ويتسامرون في المنتزهات ويغردون بأذكار الصبح والمساء، وإن تحدثوا فما بين تعاطفٍ وتبرع، بينما يتقدم المعممون المعارك في صفوف الشيعة.. عبث ما بعده عبث! ما يسمى بمشروع الدولة الإسلامية الإيرانية هل صاغته إيران منذ بضع سنوات أم صاغته منذ عقود؟! إذاً فما سر انقضاضها بميليشياتها العربية الطائفية الشيعية منذ سنوات؟! هل فاقت إيران أم غفل العرب؟! هل نشط مشروعها أم غاب مشروع العرب؟! في ظل فشل مشروع (الدولة القطرية) التي تجمع الإثنيات العرقية والاختلافات المذهبية وغياب المشروع البديل برز المشروع الإيراني التدميري، ففي العراق نجد مناطق السنة خرجت/أُخرجت من نطاق الدولة نتيجة ممارسات طائفية، وفي ليبيا نجد شرق البلاد تحت سيطرة جيش ووسطها تحت سيطرة فصيل وغربها حائر، وفي مصر نجد سيناء وكأنها دولة أخرى ومواطنيها كأنهم أبناء البطة السوداء، التي (أي البطة السوداء) لم تنسَ أن تلد أبناء النوبة الذين يعاملون كمواطنين درجة ثانية، وفي سوريا لا يخفى الحال على أحد، أقلية علوية ومعها ميليشيات شيعية مدعومة بطيران روسي تقطع أوصال مناطق السنة بحجة الإرهاب! إيران التي حاولت طيلة عقود أن تجعل شيعة العرب ذراعاً تدميرية لها وفشلت هي الآن تنجح فهل استمالتهم بالمال؟! المفاجأة أنها تحصل على أموالهم (الخُمس)، الآن إيران تستخدمهم في التدمير من المحيط إلى الخليج تحت شعار (ثارات الحسين)؛ بل استمالت زيدية اليمن (الحوثيين) وحولتهم إلى مذهبها وصاروا بيادق لمشروعها جنوب شبه جزيرة العرب، ماذا حدث؟! هل فتحت إيران باب المندب فجأةً أم أن غياب المشروع أوجد لمشروعها مكاناً؟! ما حدث بحلب من الروس والميليشيات الطائفية الشيعية والنظام كان مصحوباً بضوء أخضر دولي، وبعد أن نجحت خطتهم يأتي الدور على المرحلة الثانية اجتماعات بمجلس الأمن عبثية، شجب وإدانة، تهجير بحجة إنقاذ المدنيين لما تبقى منهم، ثم تأتي المرحلة الثالثة ألا وهي توطين ميليشيات طائفية شيعية؛ ليبتلع المشروع الإيراني مزيداً من الأرض! الغريب أن عملية التهجير تتم بأيادٍ تركية وبدعمٍ عربي، وكأنها نصرةً لإخواننا المستضعفين لا كمرحلة من مراحل اللعبة القذرة لطمس هوية حلب، في الحقيقة هذا ليس أكثر غرابة مما تقوم به قوات درع الفرات، التي تركت حلب ولم تطلق رصاصة على جندي إيراني أو روسي لتذهب إلى الباب ودرعا لتحررها من داعش الإرهابية! وفي سبيل ذلك تستقطب معها بعض فصائل المعارضة لتترك حلب فريسة للنظام، على طريقة تحرير فلسطين يبدأ من سوريا، فلربما كان تحرير حلب القريبة من تركيا يبدأ بتحرير الباب ودرعا ولا مانع من قصف المدنيين الدواعش، كل هذا لا يمنعنا أبداً من التباكي على حلب والثرثرة بنصرتها! بدلاً من أن نتباكى على حلب التي أحكم النظام قبضته عليها، لا بد أن ندق ناقوس الخطر لما بعد حلب، فقد يكون الدور على إدلب بحجة محاربة جبهة فتح الشام، ولا مانع من تخلي أحرار الشام عن الفتح بإمرة داعميها، كما قد كان في حلب ومن بعدها ريف دمشق الغوطة.. بعد تلك المشاهد العبثية أقول لأصحاب الفيديوهات التي انتشرت بعنوان "آخر رسالة لنا تحت الحصار"، وخاصة كل فتاة مسكينة ظهرت "نامي فقد مات معتصم"، لكِ الله! . ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.