تخيلوا العالم بدون كتب، ولا أوراق، ولا أقلام، ولا كلمات مكتوبة، ولا حروف، ولا مكتبات، ولا أي شيء يمت لهذا العالم بصلة. تخيلوا أن نستيقظ في الصباح، ونسمع خبراً عاجلاً عن انتهاء زمن الكتب والكتابة، وهذا يعني اختفاء الحروف والكلمات المكتوبة من هذا العالم، ولا يعود بإمكاننا البحث عن صحيفة نقرأ منها الأخبار لأنه لم يعد هناك ما نقرؤه، لكننا سنسمع كل شيء صوتياً. تخيلوا أن نغفو في المساء، بعد أن انتهينا من متابعة كل ما يعرضه التلفاز، واستنفدنا كل طاقاتنا خلال اليوم في المقاهي وقيادة السيارات والتمتع بأجواء البرّية أو الجلوس أمام البحر لساعات، أو التفرج على الصور المتكاثرة من حولنا أو متابعة الأفلام ولا نسمع إلاّ الأصوات، كل أنواع الأصوات من رخيمة إلى عادية وأصوات الحيوانات، وحفيف أوراق الشجر، وخرير المياه وأنفاس الناس والرياح واحتكاك الإطارات على الأسفلت، ما عدا حفيف الورق، بينما نقلب صفحات الكتب لنقرأ فلم تعد هناك حروف في العالم، ولم يعد علينا التفكير في طريقة أو شكل كتابة أي حرف، ولن يكون علينا التأكد من أن ما كتبناه صحيح لغوياً أو نحوياً، ولن تمر علينا جُمَل، ولن نحاول تحليل عبارات أو محاولة فهم ما تريد أي فقرات مكتوبة التعبير عنه، فلا داعي لها بعد أن اختفت الكلمات وانتهى زمن الواجب المكتوب والمقروء. تخيّلوا أن ينتهي كل ما له علاقة بالكتابة، فلا تعود هناك حاجة لصناعة أي ورق نسجل عليه خواطرنا، لأن الخواطر ستهيم وحدها في هذا الفضاء السادر وستنطلق غير مقيدة بشيء، وستشرق مثل الشمس ثم تغرب معها، وتعود لتبلج في السماء مع القمر، وترحل مع الفجر الجديد، لكن لا أحد سيقرأها، لأنه ستتحرر من هذا القيد، وستعبر الفضاء والمحيطات وترحل كما جاءت. تخيلوا أن نذهب إلى المدارس والجامعات لنستمع فقط، لكننا لن نكتب حرفاً ولن نقرأ كلمة، لأننا نسينا معنى الكتابة فوق السطر والحروف التي تكتب فوقه، والأخرى أسفله والنقاط الفاصلة والرأسية والنقطتين الرأسيتين والثلاث نقاط والفواصل العشرية العربية والألفية العربية والشرطة بأنواعها والأقواس، أو الأقواس المعقوفة، وعلامة التعجب، وعلامات الاقتباس، وعلامة الاستفهام والوصلتين والخطوط وأنواعها، وكل ما له علاقة بها، بل نسينا كيف نقرأ بعد أن انمحت ذاكرة الكلمات بأشكالها المرسومة وخطوطها المختلفة؟. تخيلوا أن لا تعود لدينا مكتبات وتصبح لدينا مساحات واسعة وشاسعة نملؤها بكل ألوان وأنواع الثياب والحقائب والأحذية ونعبئ كل فراغات الأرفف في منازلنا بالتحف والصور والنباتات والمأكولات والدمى والألعاب والمقتنيات بأنواعها، وفوق المكاتب نضع كل الأجهزة التي سنتفرج من خلالها فقط ونحشو الأدراج بأقلام كثيرة ومتعددة لكنها فقط لتلوين الوجوه من أحمر الشفاه وكحل العين وغيرها. تخيلوا أن لا تعود هناك كتب ولا كتابة في هذا العالم، مجرد تخيل!. باسمة يونس