سبق أن كتبت في هذه الزاوية عن مشروع الاتحاد الخليجي وأهميته لدول مجلس التعاون، الذي دعا إليه خادم الحرمين الشريفين الراحل عبدالله بن عبدالعزيز، للحفاظ على وحدة واستقرار وأمن الدول الأعضاء وشعوبها والحفاظ على مقدراتها ومكتسباتها، لقد آن الأوان لتحقيق الحلم الكبير بالانتقال بالمجلس من مرحلة التعاون إلى الاتحاد، لأجل تأمين دول المجلس وشعوبها من تقلبات الزمن وعواديه، فجميع الدول الأعضاء مستهدفة في أمنها واستقرارها، وبالنظر بعين بصيرة إلى أن الدول الصديقة التي لا يمكن الاعتماد عليها أو الركون إليها في ظل المزاج السياسي المتقلب الذي تحكمه المصالح السياسية واستراتيجياتها المبنية على تكتيكات الدول الكبرى من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من مصالحها، ولا يهم -بعد ذلك- أن تموت بقية دول العالم. في البيان الختامي للقمة الأخيرة (37) لقادة دول مجلس التعاون الخليجي في المنامة أقر القادة تشكيل هيئة عالية المستوى من الدول الأعضاء تسمى هيئة الشؤون الاقتصادية والتنموية، التي بدأت اجتماعاتها فوراً لتعزيز الترابط والتكامل والتنسيق بين الدول الأعضاء في جميع المجالات الاقتصادية والتنموية، وتذليل الصعوبات والمعوقات التي قد تحد من عملية التكامل ومنها تباين الأنظمة والإجراءات المختلفة في الدول الأعضاء، وتفعيل الاتفاقات كالاتحاد الجمركي، والسوق الخليجية المشتركة، والعملة الخليجية الموحدة، وتم التأكيد على العمل الخليجي المشترك لتحقيق الأهداف، وأوضح البيان مواقف المجلس من القضايا السياسية الإقليمية والدولية وأهم تطوراتها، وتابع مجلس القادة المشاورات من أجل الانتقال من مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد، وتوجيه المجلس الوزاري المشترك ورئيس الهيئة المتخصصة بالاستمرار في بذل الجهود للانتقال الذي يحلم به الشعب الخليجي الموحد، والرفع بما يتوصلون إليه إلى المجلس الأعلى في الدورة المقبلة. الاتحاد الخليجي يشكل قوة حقيقية وسياجاً آمناً يقف بشدة في وجه الباحثين عن كوة يدخلون منها للانقضاض على اقتصاد الخليج العربي، بل إنه سيعمل على التصدي لكل المخططات التي تبحث عن النيل منها، فالاتحاد هو السلاح الأقوى لمواجهة التحديات الراهنة والمقبلة، وهو القادر على التعامل مع الظروف المتقلبة وغير المحسوبة التي تحكمها تقلبات المصالح الدولية، فقد أثبت التاريخ أن الوحدة الوطنية الشعبية هي الضمان الوحيد الأكثر أماناً لمقدرات الشعوب ومكتسباتها. العالم يحترم التكتلات ويعيشها، فهناك اتحادات دولية حققت لدولها كثيراً من المكاسب ما كانت لتحصل عليها الدول منفردة، وقد كانت تجربة مجلس التعاون الخليجي ناضجة إلى الحد الذي يجعلنا نتفاءل بنجاح الاتحاد، فقد تحقق كثيرٌ من الإنجازات التي عادت بالفائدة على الوطن الخليجي وشعوبه المتجانسة والمتحدة في اللغة والدين والعرق، ناهيك عن الترابط الثقافي والموروث الشعبي والعادات والتقاليد، فنأمل أن تتسارع الخطوات الجادة نحو إنجاز مشاريع التكامل الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والأمني، والانتقال من الدراسات الاستراتيجية إلى حيز التنفيذ الذي يتجه في النهاية إلى تكوين اتحاد خليجي قوي ومتين.