×
محافظة المنطقة الشرقية

نساء يتدربن على التصدي للحرائق

صورة الخبر

سياتل: جيمس غورمانفيب عندما قرر كلاي رايد أن يتخلى عن منصبه أستاذا في كلية الطب التابعة لجامعة هارفارد ليصبح رئيسا لفريق الأبحاث في معهد «ألان للعلوم الدماغية» في سياتل بأميركا في عام 2012، هنأه زملاؤه بحرارة مدركين فورا لماذا قام بهذه الخطوة، بينما هز الآخرون رؤوسهم، فهو قبل كل شيء يغادر واحدة من كبريات الجامعات العالمية للذهاب إلى ما يعادل وظيفة ابتدائية في الإنترنت، وإن تكن ممولة بصورة جيدة وطموحة بعدما تأسست في عام 2003 من قبل بول ألان مؤسس «مايكروسوفت». لقد أراد رايد التحري بكثافة عن جزء من دماغ الفأر، خاصة أن المعهد وفر له إضافة إلى التمويل الجيد، زملاء ممتازين، فضلا عن أن معالجة العلوم تختلف عن بيئة الجامعات الكلاسيكية؛ إذ كان المعهد المذكور قد وضع سلفا خريطة مفصلة عن دماغ الفأر، كما تخصص في عملية التجميع المكثف للمعلومات والبيانات والخرائط الخاصة بكل العلوم تقريبا. ويحاول المعهد اليوم التوسع في هذا المجال عن طريق تجنيد علماء مثل كريستوف كوخ من «معهد كاليفورنيا للتقنيات». * الجزيئة والسلوك وبوصفه رئيسا للباحثين، سيقود رايد مجموعة من 100 باحث سيعملون مع العلماء والمهندسين والفنيين في المجموعات الأخرى. وسيركز في عمله على واحدة من الألغاز الخاصة بعمل الدماغ، وفك طلاسم أحد أجزائه في الفأر، والملايين من خلاياه العصبية، وقشرته البصرية، أو حسبما يقول «من الجزئية الواحدة إلى السلوك برمته». والهدف من وراء ذلك فهم كيفية عمل الدماغ البشري الذي يستحيل تطبيق كثير من الأبحاث عليه، خاصة أن أدمغة الفئران والذباب تتشارك في الكثير مع الدماغ البشري. وينصب عمل رايد، وكذلك عمل العلماء الآخرين على معرفة كيفية عمل الدماغ البشري، ضمن مبادرة إدارة الرئيس أوباما Brain Initiative بمنحة تبلغ 100 مليون دولار، ومنحة الاتحاد الأوروبي البالغة مليار دولار في «مشروع الدماغ البشري» Human Brain Project الذي سيمتد نحو عقد كامل من السنين، فضلا عن مشاريع أبحاث عديدة تقوم بها هيئات عالمية خاصة. وفي الوقت الذي يهدف فيه مشروع «هيومان كونيكتوم بروجيكت» Human Connectome Project, في هارفارد الذي ينتشر بين العديد من المؤسسات، لوضع صورة إجمالية عن الترابط والتشارك بين أجزاء الدماغ البشري، تقوم فرق علمية أخرى بالتركيز على الوصول إلى مستويات أكثر عمقا، بينما يهدف باحثو «معسكر جانيليا فارم للأبحاث» في فيرجينيا، التابع لـ«معهد هاورد هيوز الطبي» إلى فهم دماغ الذبابة بشكل كامل، وهو ما أثار إعجاب الدكتور رايد. وكل هذه الأبحاث تبدأ بوضع خرائط، ومن ثم تعزيزها وإغنائها، فإذا نجح رايد ورفاقه في مشروعهم، فإنهم سيضيفون ما يسمى «رمز العمليات الدماغية»، وهي اللغة التي تختزنها الخلايا العصبية وتبثها وتعالجها. ولكن قد لا تقدم كل هذه الجهود الجواب النهائي، ففي العلوم العصبية، أكثر من أي علوم أخرى، كل اكتشاف يؤدي إلى إثارة أسئلة جديدة، «فمع الدماغ يمكنك دائما الغوص إلى الأعمق»، وفقا لرايد. تخرج رايد، 53 سنة، متخصصا في الفيزياء والرياضيات والفلسفة في جامعة «يل»، لكن علم الأحياء كان يجذبه، وأكمل بدراسة الطب في جامعتي كورنيل وروكفلر، حيث يقع مختبر الدكتور «ويزل» للأبحاث الذي عمل به أستاذا بعد تخرجه قبل الانتقال إلى هارفارد. * فك رموز الدماغ والمهم هنا أن الرياضيات والفيزياء باتتا مهمتين جدا في دراسة الأعصاب. وفي جامعة هارفارد عمل في مشروع «كونيكتوم بروجيكت» لوضع خريطة للروابط والوصلات بين الخلايا العصبية في دماغ الفئران. وكان المشروع يرمي إلى وضع خريطة مفصلة جدا بل أكثر تفصيلا من وضع خريطة للدماغ البشري، عن طريق التصوير بالرنين المغنطيسي (إم آر آي). بيد أن المجاهر الإلكترونية أنتجت صورة ساكنة من شرائح صغيرة مأخوذة من أدمغة محفوظة، فقام مع الدكتور دايفي بوك، أحد طلابه الذي تخرج على يديه ويعمل في «جانيليا فارم» حاليا، بربط دراستهما عن أدمغة الفأر النشطة بالصور المفصلة عن تركيب الشرائح الدماغية التي التقطت بالمجاهر الإلكترونية. وأسفر هذا العمل الدؤوب عن محاولة لفك الرمز الدماغي، الذي يقول رايد عنه إنه يتطلب حل مشكلتين أساسيتين: الأولى كيف تعمل هذه الآلية بدءا من قطع وأجزاء تركيبها وبنائها، وأنواع الخلايا، والتمعن في تركيبها الفيزيولوجي والتشريحي. وهذا يعني معرفة كل أنواع الخلايا العصبية في القشرة البصرية لدماغ الفأر وعملها، وهي معلومات لم يحصل عليها العالم بعد. وهذا يعني أيضا معرفة أي رمز يستخدم لتمرير المعلومات، فعندما يرى الفأر صورة ما، فكيف يجري ترميز الصورة وتمريرها من خلية إلى أخرى، وهذا ما يسمى «الحساب العصبي»؟ المشكلة الأخرى التي لها علاقة كبيرة أيضا، هي كيفية قيام الحساب العصبي هذا بإنتاج السلوك، كما يقول رايد، أي كيف يقرر دماغ الفأر الفعل، جراء إدخال هذا الرمز؟ وتصور لذلك نوعا من التجارب للحصول على أجوبة لهذين السؤالين، فقد يجري تدريب فأر على المشاركة في تجربة تجري ممارستها حاليا مع القرود العليا، بحيث ينظر الحيوان إلى إحدى الصور. وبعد عرض سلسلة أخرى من الصور عليه، يقوم الحيوان بالكبس على عتلة لدى مرور الصورة الأصلية عليه. وقد تستغرق رؤية الصورة هذه وتذكرها، والتعرف عليها، والكبس على العتلة، كلها ثانيتين، وتنطوي على نشاط في أجزاء متعددة من الدماغ. واستيعاب هاتين الثانيتين، كما يقول رايد، يعني أنه حالما تضرب الفوتونات شبكية العين تجب محاولة معرفة المعلومات التي تقوم بإرسالها إلى المهاد والقشرة الدماغية، ومعرفة العمليات الحسابية التي تقوم بها الخلايا العصبية في القشرة هذه، وكيفية القيام بها، ومستوى العمليات هذه، التي يجري إرسالها إلى مركز الذاكرة، ومن ثم الاحتفاظ بأثر لهذه الصورة لمدة ثانية واحدة أو ثانيتين. وبعد ذلك عندما يجري عرض الصورة للمرة الثانية، يحصل المهم والصعب، ألا وهو: كيف يجري اتخاذ القرار بأن هذه الصورة هي المقصودة؟ كما يقول. ولهذا الغرض يقوم رايد والآخرون بجمع معلومات كيميائية وكهربائية ووراثية وغيرها حول تركيب هذا الجزء من دماغ الفأر، والنشاط الدائر فيه. ومع إضافة مواد كيميائية إلى الدماغ، يمكن للمجاهر الضوئية المتطورة جدا التقاط أفلام مصورة لعمل الخلايا العصبية ونشاطها، كما يمكن للأقطاب الكهربائية تسجيل النبضات الكهربائية، في حين يمكن للتحليل الرياضي الحسابي لكل هذه العمليات، فك الرمز الذي تتحرك بموجبه المعلومات في ذلك الجزء من الدماغ. ويتوقع رايد إمكانية حل الجزء الأول من المشكلة، أي تلقي المعلومات الاستشعارية وتحليلها، خلال عشر سنوات من الآن. * خدمة «نيويورك تايمز»