ماذا بقي وسيبقى في مكة؟ أحمد صالح حلبي لم نعد نعرف ماذا بقي أو سيبقى من تاريخ مكة المكرمة الحضاري والمعماري القديم أو حتى الحديث منه ، فجولة على أحد أحياء مكة المكرمة أو المرور بشارع من شوارعها أو طريق من طرقاتها ، قديما كان أم حديثا تصيبك بحالة من الألم الذي سيعتصر فؤادك حسرة لما تراه عيناك من إزالة كاملة للتاريخ ومن صنعوه ، فأعمال الهدم والإزالة ونقل أطنان من الحجارة الصخرية القديمة التي حفظت بتراصها أسرا وعلمت بتماسكها أجيالا، وبقيت صامدة أمام البناء الحديث مئات السنين ، تحولت إلى مجرد أراض ترابية تنثر الغبار والأتربة فلا طريق أنشى عليها ولا حتى توسعة لساحات الحرم وصلتها ولا بناء شيد عليها . فمبنى القشلة الذي أزيل قبل عقود مضت وقيل انه سيتحول لصالح مجمع المحاكم الشرعية غدت أرضه ترابا وموقفا لحجز السيارات ومرتعا للأوبئة ، والمدرسة الصولتية التي بنتها سيدة هندية لتعليم الأبناء في زمن لم يكون للمدارس وجود جيد ، أزيلت بكامل مساحتها وتاريخها ، وتحولت من مبنى مملوك إلى مبنى مستأجر وسط حي سكني قد يزال قريبا بعد أن وصلت المعدات الثقيلة الى بعض أطرافه ! ومستشفى أجياد العام الذي كان على مدى عقود يطبب المواطنين والمقيمين والمعتمرين والحجاج ويشفي ألمهم ويوقف نزيف دمهم ، تحول هو الآخر من مبنى مملوك إلى غرف مستأجرة في طابق أرضي ببرج سكني ، لا يستطيع إجراء عمليات كبرى ولا حتى صغرى ! وان كانت الأمثلة على البناء القديم كثيرة ومتعددة فان المباني الحديثة لم تسلم هي الأخرى من أعمال الهدم والإزالة ! فهل تشكل مبان القطاعات الحكومية والمؤسسات الخدمية والمراكز التجارية الجيدة بمكة المكرمة ألما لدى البعض ويفضلون القضاء عليها تارة بتوسعة لساحات الحرم ، وتارة أخرى لمحطات القطار ، وتارة ثالثة لطرق دائرية ؟ وان كانت مثل هذه المبان والمنشآت تشكل عائقا واحدا من هذه العوائق الثلاث فلماذا نرى الأبراج السكنية بكامل أناقتها ومساحاتها وقد فردت أجنحتها بالقرب من المسجد الحرام ونالت من الأدوار ما تستحق وزيادة دون معايير محددة ؟ فأين هي التوسعة من أجل ساحات الحرم وزيادة مساحاته ؟ وان كانت الأحياء والمباني القديمة المحيطة بالمسجد الحرام تشكل عائقا للتطوير فهل الأحياء والمراكز التجارية والمباني الحديثة البعيدة عن المسجد الحرام تشكل هي الأخرى عائقا للتطوير ؟ إن ما نراه الآن من أعمال هدم وإزالة لعدد من المباني والمراكز التجارية ، بحي الرصيفة على سبيل المثال لا الحصر، يشير إلى أن مكة المكرمة ستتحول يوما من مدينة ذات أحياء حديثة التخطيط والبناء ، إلى مخططات تمتلئ شوارعها بحفريات ومطبات وأرصفتها بتكسير ونقصان ومبانيها بألوان باهتة ، أما مراكزها التجارية فلا وجود يذكر لها . وما أخشاه ويخشاه غيري كثيرون من أبناء مكة المكرمة أن تتم إزالة مركز الجروشي التجاري ومركز مكة مول ومبنى الغرفة التجارية الصناعية وغيرها من المباني الحديثة ، لأن وجودها في مكة المكرمة يؤلم البعض ، يتبعه لاحقا إزالة مركز الأهلة التجاري بعد الانتهاء منه بسنوات قلائل .