مكة المكرمة، المدينة المنورة واس أكد إمام وخطيب المسجد الحرام في مكة المكرمة الدكتور أسامة خياط، أن الابتلاء يعد من الخير الذي أراده الله لعبده وكتبه له وإن لم يظهر له ذلك، وإن أولئك الذين نزل بهم البلاء من أهل الإسلام في فلسطين وسوريا وبورما وإفريقيا الوسطى وغيرها الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم واستبيحت حرماتهم وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، إنما هي بشرى لهم فإن عاقبته سبحانه وتعالى بالنصر في الدنيا والآخرة. وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها في المسجد الحرام أمس: «إنه عندما ينزل البلاء وتحل المحن وتحدق الخطوب تطيش أحلام فريق من الناس، فيذهلهم ما نزل بهم عن كثير من الحق الذي يعلمون، فتقع الحيرة ويثور الشك وتُهجر الحقائق وتُتبع الظنون ويُحكم على الأمور بغير العلم ويُقضى فيها بغير العدل، ويُنسى أن سنة الله في الابتلاء ماضية في خلقه، حيث جاء حديث القرآن عنها جلياً واضحاً لا خفاء فيه، وهي سنة ربانية عامة لم يستثنِ الله منها الأنبياء والرسل مع علو كعبهم ورفعة مقامهم وشرف منزلتهم وكرمهم على ربهم وقد جعلهم أشد الناس بلاء». وأضاف: «لقد نزل في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من هذا البلاء أعظمه؛ من أذى قومه وتكذيبهم له واستهزائهم به وصدهم الناس عن دينه، وحملهم له على مفارقة وطنه، وإعلان الحرب عليه وتأليب الناس عليه وعلى دعوته، وغزوهم دار هجرته ومقر أهله وصحابته للقضاء عليه ووأد دينه واستئصال شأفته، وممالأة أعدائه من اليهود والمنافقين في المدينة عليه، وكيد هؤلاء جميعاً له ومكرهم به ونقضهم ميثاقهم الذي واثقهم به، واتحادهم مع المشركين على حربه وسعيهم إلى قتله غيلة وغدراً، فكان صلوات الله وسلامه عليه صابراً على المحن والبلاء مجاهداً في الله حق جهاده حتى جاءه نصر الله ودخل الناس في دين الله أفواجاً، وأكمل الله الدين وأتم على عباده النعم، ولحق النبي -صلى الله عليه وسلم- بربه راضياً قرير العين تاركاً لأمته من بعده أمرين ما إن تمسكوا بهما لن يضلوا أبداً كتاب الله وسنته، عليه أفضل الصلاة والسلام». وبيَّن الخياط أن انتهاج هذا النهج في الصبر على البلاء والثبات في المحن إنما هو لكمال اليقين بأن الله تعالى لم يكتب على عباده هذا البلاء إلا لحكم عظيمة ومقاصد جليلة. وأشار إمام المسجد الحرام إلى أن للثبات عند نزول المحن أسباباً تعين عليه وتُذلل السبيل إليه، ومن أعظمها صدق اللجوء إلى الله وكمال التوكل عليه وشدة الضراعة والإنابة إليه وصدق التوبة بهجر الخطايا والتجافي عن الذنوب، فما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة، كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-، ومنها النظر في أخبار الذين نزل بهم البلاء وألمت بهم المصائب من الأنبياء والمرسلين وعباد الله المخلصين للتعزي بأحوالهم والتأسي بصبرهم وتسليمهم الذي كان ديدنهم ودأبهم ومنهاجهم عند نزول البلاء. وفي المدينة المنورة، تناول إمام وخطيب المسجد النبوي علي بن عبدالرحمن الحذيفي في خطبته، يوم القيامة، وقال: «إن بين العبد ودخوله الجنة أهوالاً عظاماً وشدائد وكربات، ولكن الله يسهلها على المتقين ويهوِّنها على الطائعين، وأما النار فسُبُلها الشهوات والمحرمات في هذه الدنيا واتباع الهوى». وبيَّن أن النفوس تقع في الغواية بالمغريات والملذات المحرمة، وأن مجاهدة النفوس على الطاعات خير من اتباع الشهوات، وأن التقوى سعادة وخير، وأن العصيان شقاء وخيبة في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «حُفَّت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات»، وعنه صلى الله عليه وسلم قال: «لما خلق الله الجنة قال لجبريل اذهب فانظر إليها فذهب فنظر فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فحفها بالمكاره، قال اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها فقال: وعزتك خشيت ألا يدخلها أحد، ولما خلق النار قال لجبريل اذهب فانظر إليها فذهب فنظر فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، وحفها بالشهوات، فقال اذهب فانظر إليها فذهب فنظر فلما رجع قال: وعزتك لقد خشيت ألا يبقى أحد إلا دخلها». وبيَّن أن العقبة الكبرى هي الصراط المضروب على النار فمن تجاوزه دخل الجنة.