أكد «الشال» أن ديوان المحاسبة يدوّن الكثير من الملاحظات على تلك السياسة المالية المنفلتة في البلاد، وخطأ تركيبتها، ويلمح إلى استحالة استدامتها، وربما يأمل أن يكون له دور استباقي في مواجهة مخاطرها، لكنه لا يملك ذلك، وللأسف، يحتاج الإصلاح إلى إدارة عامة مختلفة جداً عن التشكيل الحكومي الأخير. قال تقرير «الشال» للاستشارات، إن مؤسسات قليلة في البلد مازالت تخاطب العقول وتشعر بألمها وهي تحلل أوضاعه، وأحدها ديوان المحاسبة، الذي أصدر أخيراً تقريراً حول المؤشرات المالية مستخلصاً من أرقام السنة المالية 2015-2016، وأي حريص يمكن أن يستنتج من قراءته كم هو -أي الديوان- قلق على المستقبل. وأضاف تقرير «الشال»: «لسنا في فقرتنا بصدد استعراض تقريره، إنما استقراء بعض مؤشراته، فهو يذكر بأن العجز الفعلي للسنة المالية 2015-2016 بلغ 5.975 مليارات دينار كويتي، مرتفعاً بنحو 119.6 في المئة عن العجز الفعلي للسنة المالية 2014-2015، ينخفض إلى 4.612 مليارات دينار، إذا لم يقتطع من الإيرادات ما يرحل لاحتياطي الأجيال القادمة، أو يبلغ نحو 11.4 في المئة من حجم الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار المثبتة لعام 2015، وهي من أعلى معدلات العالم». وفي التفاصيل، فإن سبب العجز المالي معروف ومستدام، وقد تراجعت الإيرادات النفطية للسنة المالية 2015-2016 بنسبة 58.8 في المئة و46.3 في المئة عن مستواها للسنتين الماليتين 2013-2014 و2014-2015، والإيرادات النفطية تمثل 88.6 في المئة من إيرادات الموازنة العامة. ليس هذا فقط، فالإيرادات الرديفة، أي غير النفطية، أيضاً تراجعت لنفس الفترة بنحو 38.1 و35.7 في المئة، وتنمية الإيرادات غير النفطية كان هدف سياسات الإصلاح المالي. وبلغت فاتورة الرواتب والأجور ضمن البابين الأول والخامس، نحو 9.237 مليارات دينار، وتبلغ نحو 9.695 مليارات دينار، لو أضيفت إليها مصروفات دعم العمالة الوطنية في الجهات غير الحكومية، وكانت سياسات الكوادر في زمن رواج سوق النفط قد تسبب في نزوح العمالة المواطنة من القطاع الخاص إلى القطاع العام، خلافاً للمعلن من أهداف الإصلاح الإقتصادي. والخفض في المصروفات خلال الفترة جاء على حساب الأنشطة الاقتصادية التي فقدت 29.3 و38.2 في المئة على التوالي من مستوى السنتين الماليتين السابقتين، بينما ارتفعت مصروفات خدمات المجتمع بنسبة 11.2 و10.3 في المئة على التوالي، وزادت نفقات الدفاع بنحو 3.4 و9.5 في المئة على التوالي، أيضاً خلافاً لأهداف الإصلاح الاقتصادي. ومشروعات خطة التنمية الخمسية (2015-2016 / 2019-2020) تتبنى 368 مشروعاً، منها 106 مشاريع تطويرية و262 مشروعاً إنشائياً، ويتابعها الديوان من زاوية المصروف عليها، أما علاقتها بالتنمية، أي خلق فرص عمل مواطنة مستدامة أو دورها في تنمية وعاء ضريبي، فقد تكون عكسية. في الخلاصة، يدوّن الديوان الكثير من الملاحظات على تلك السياسة المالية المنفلتة، وخطأ تركيبتها، ويلمح إلى استحالة استدامتها، وربما يأمل أن يكون له دور استباقي في مواجهة مخاطرها، لكنه لا يملك ذلك. وللأسف، يحتاج الإصلاح إلى إدارة عامة مختلفة جداً عن التشكيل الحكومي الأخير، فهو وإن تغيرت بعض شخوصه وبنحو 37.5 في المئة، (60 في المئة لمجلس الأمة) لكن صلبه في مراكزه الرئيسية القيادية بقي على ما عليه، ولا علاقة لتشكيله بنتائج الانتخابات، فهو نفس محتوى التشكيل الذي فشل في زمن رواج سوق النفط، وفشل في حقبة بداية ضعفه، وسوف يكرر الخطايا نفسها في المستقبل، إلى جانب أنه حاضنة خصبة للفساد. ومن المهم أن نعرف، بأن المؤشرات المالية والاقتصادية الذي ذكرها ديوان المحاسبة، مؤشرات عجز حقيقية ومستدامة، وسوف تتسع وتتعمق فجواتها، إن استمرت الإدارة العامة على نهجها القديم، وهو ما سوف يحدث حتماً، وقد لا يكون العلاج متاحاً بمرور بعض الزمن.