تأتي رواية «زمبوه» ضمن سلسلة روايات كُتِبت من داخل القطيف ومن خارجها، حاولت أن توثّق لحقبة مهمة من تاريخ المنطقة الشائك، وهي حقبة الانقلابات الثقافية العجولة، حيث البترول جاء بديلاً مفاجئاً عن كل النسيج الاجتماعي، والإرث التاريخي الذي كان متنامياً بهدوء. من الواضح أن حبيب محمود لم يكمل حكايته في الرواية، فقد اكتفى بإطلالة سريعة من نافذة الماضي ليعود محملاً برائحته على شكل ومضة سردية جاءت في 78 صفحة من القطع المتوسط عن دار طوى. رغم ذلك إلا أن النَفَس الروائي القصير في «زمبوه» ينبئنا بقدرة الشاعر محمود على الاستمرار والحفر في مناطق تاريخية وثقافية مازال مسكوتاً عنها من معظم الروائيين الجدد. الأمر الذي يدفعنا للتساؤل عن سبب توقفه السريع! يدرك القارئ لتاريخ القطيف أنه أمام منطقة خصبة للكتابة السردية، حيث الأساطير، ومرويات الجن، وخرافات الجدات، ومفارقات الحياة الاجتماعية بين الإقطاعية والبوليتاريا، وتناقضات الثقافة بين تربية محافظة وعالم منفتح. بالإضافة لحامل ثقافي ذي تاريخ ديني وسياسي متداخل. كل ذلك كفيل بأن يفتح شهية الروائيين لاقتحامها والسبر في أغوارها. ولكن العجيب أن القليل جداً منهم حاول أن يلامس هذه المنطقة بشيء من الاشتغال التاريخي. والأغرب من ذلك أن الرواية الوحيدة التي وثّقت لتاريخ القطيف الحديث أتت من روائية تنحدر من الغربية! حيث جمّعت مها الجهني من المرويات والمخطوطات والحكايات، ثم اشتغلت عليها في روايتها الشهيرة «كيتوس». أعتقد أن «زمبوه» تستحق أن تكون فصلاً من فصول رواية طويلة يعكف عليها حبيب محمود ليملأ بها الفراغ السردي الكبير في منطقة تستحق أن تؤثث بأعمال تليق بها.