حين يخمد المنطق ويدخل العقل في غيبوبة وتصبح للعضلات الكلمة العليا يكون الرد على الكلمات باللكمات وتتحول الشتائم والخوض في الأعراض وانتهاك الخصوصية أسلوب حياة. ولأن المنطق خامد منذ سنوات، والعقل في غيبوبة، جاء مشهد الاعتداء على إعلاميين على أبواب الكنيسة المصرية أقرب ما يكون إلى المشهد المتوقع على رغم قبحه، وغير المستغرب على رغم فجاجته. البقية الباقية من العقلاء، صُدِموا وهم يدققون النظر في مشاهد ضرب وركل مجموعات من المواطنين الغاضبين على باب الكنيسة لإعلاميين توجهوا إلى موقع الكارثة لتأدية واجبهم. نظريات عدة تصول وتجول في دوائر معروفة مسبقاً، حيث اندس خونة وعملاء وسط الغاضبين لإشعال نيران الفتنة وإحراق الوطن بشظايا الكراهية. وقالوا تملكتهم مشاعر الغضب فلم يشعروا بأنفسهم إلا وهم يوسعون الإعلاميين ضرباً. وألمحوا كذلك إلى خيط رفيع اجتازه الإعلام التلفزيوني حيث احترام الحزن والكمد والكرب أهم من الحصول على سبق مصور يضمن جمهور أوسع ويحظى بإعلانات أكبر. ومنهم من أشار إلى ادعاء الإعلاميين لأدوار بطولية وطنية في حين إنهم لا يفكرون إلا في شهرة شخصية. لكن الأفظع هو ما جاهر به كثيرون على صفحات الشبكة العنكبوتية حيث تطلق العنان لما تجول به الأنفس من مشاعر. تداول مقاطع الاعتداء على أبواب الكنيسة نافس – وأحياناً فاق- الحدث ذاته من تفجير استهدف مصلين، أو مؤامرة تستهدف دولة، وهذا في حد ذاته صدمة عنيفة لمن ما زالت لديه القدرة على التكفير وليس التفجير. بعضهم ندد بالاعتداء من باب أن «ضرب سيدة إعلامية على أيدي رجال ليس من الشهامة في شيء». لكنهم لم يعلقوا على ضرب «سيد إعلامي» وكأن كونه رجلاً يمتلك كثافة أعلى من العضلات تضعه في منافسة عادلة مع الضاربين. بعضهم الآخر سبق تنديده بالاعتداء بعبارات تبرئة من متابعة هذا الإعلامي المتلون أو هذه الإعلامية المتسلقة أو من هؤلاء الإعلاميين الذين يتقاضون ملايين أو أولئك الذين يطبلون للدولة أو يهللون للرئيس. فريق آخر ناشد الإعلاميين المعتدى عليهم بتفهم غضب المكلومين وعدم إعطاء الموضوع أكبر من حجمه. ومع تواتر ردود الفعل الشعبية على الاعتداءات، يمكن قبول بعضها ومناقشة بعضها الآخر ورفض جزء منها. لكن تبزغ علامة تعجب كبيرة تطلق صافرة إنذار خطيرة. لقد بات الاعتداء الجسدي شكلاً من أشكال حرية التعبير ونوعاً من العنف الذي يبرره بعضهم سواء بدافع تفهم مشاعر المكلومين أو هضم اعتراض المعترضين. قليلون جداً من وجدوا في خفوت صوت المنطق أو موت اختراع النقاش سبباً للقلق العميق. لكن القلق كل القلق يعشش ويتوغل في أصوات تجاهر بل وتفاخر بشماتتها في المضروبين لأنهم «هاجموا الإخوان بشدة» أو «طبلوا للدولة بقدرة» أو «تلونوا بألوان الطيف» أو «قالوا كلاماً لا يعجبهم»!