تواجه الفصائل السورية المعارضة التي طمحت ذات يوم إلى إطاحة نظام الرئيس السوري بشار الأسد، احتمال الهزيمة الكاملة بعد خسارتها السيطرة على مدينة حلب. وعلى رغم احتفاظها بالسيطرة على مناطق أخرى في سورية، بينها محافظة إدلب (شمال غرب)، فإن استعداد مقاتلي المعارضة للخروج من البقعة الصغيرة المتبقية لهم في شرق حلب في باصات حكومية، تمهيداً لاستكمال قوات النظام السيطرة على حلب، ثاني أكبر مدن سورية، تطور ذو رمزية كبيرة. ويقول الباحث في مؤسسة «سنشري فاونديشن» للأبحاث سام هيلر لوكالة فرانس برس أن هزيمة الفصائل المقاتلة في حلب «تعني نهاية المعارضة السورية كقوة يمكنها أن تتحدى نظام الأسد في شكل قوي أو تسيطر على البلاد». واعتقدت الفصائل المعارضة عندما سيطرت على الأحياء الشرقية في مدينة حلب في 2012، بعد عام من اندلاع النزاع الذي بدأ باحتجاجات سلمية ضد الأسد، أنها على وشك إطاحة النظام. وبدعم من جهات عدة، بدا كأن مقاتلي المعارضة يحظون بالزخم الكافي لتحقيق ذلك. لكن في السنة الأخيرة وتحديداً بعد تدخل روسيا منذ أيلول (سبتمبر) 2015 دعماً لدمشق، مُنيت المعارضة السورية بسلسلة من الهزائم توجت بخسارة حلب. ويقول الباحث الرئيسي في مركز كارنيغي للشرق الأوسط يزيد الصايغ: «ببساطة لم يعد لدى الفصائل الكثير، ولا الانتشار الجغرافي في شكل يمكّنها من شن هجمات واسعة». وسيتجه المقاتلون الذين سيتم إجلاؤهم من حلب إلى محافظة إدلب التي تحولت إلى أكبر معاقل المعارضة في البلاد. ويسيطر على إدلب تحالف يضم فصائل مقاتلة عدة أبرزها «جبهة فتح الشام» (جبهة النصرة سابقاً قبل فك ارتباطها مع تنظيم القاعدة) و «حركة أحرار الشام الإسلامية». كما تحتفظ الفصائل بالسيطرة على مناطق في محافظة درعا (جنوب) وفي الغوطة الشرقية في ريف دمشق حيث نجحت قوات النظام أخيراً في التقدم وإخراج المقاتلين من مناطق عدة. ونسجت الحكومة خلال الأشهر الأخيرة «اتفاقات مصالحة» مع الفصائل في مدن عدة في محيط دمشق انسحب بموجبها مقاتلو المعارضة مقابل ضمان مرورهم الآمن إلى إدلب. وانتقدت المعارضة هذه الاتفاقات القائمة على تكتيك «الجوع أو الاستسلام»، التي تجبر المقاتلين على القبول بها بعد أشهر أو سنوات من الحصار المحكم من قوات النظام، فضلاً عن القصف المستمر. لكن الرئيس السوري قال مراراً أن هذه الاتفاقات هي أفضل طريقة لحل النزاع الذي تسبب منذ اندلاعه منتصف آذار (مارس) 2011 بمقتل أكثر من 312 ألف شخص وتدمير البنى التحتية ونزوح وتشريد أكثر من نصف السكان داخل البلاد وخارجها. ويقول الباحث في مؤسسة «سنشري» آرون لوند: «من المرجح جداً أن تتحرك قوات النظام بسرعة لفرض اتفاقات استسلام في جيوب أخرى للمقاتلين». ويعرب عن اعتقاده بأن «تفكيك المعارضة المسلحة في الغوطة الشرقية سيكون أحد أكبر مشاريع النظام في عام 2017». أما في محافظة إدلب الحدودية مع تركيا، والتي تحولت إلى وجهة للمقاتلين، فمن المرجح أن تتمكن الفصائل من الصمود فيها لفترة أطول. ويوضح هيلر: «هناك معارضة مسلحة لا تزال حيوية ومتحفزة»، لكنه يرى أن هيمنة الفصائل الجهادية والإسلامية على هذه المحافظة تجعل الجهات الخارجية أقل حماسة لدعمها. وإزاء التغييرات الحاصلة في السياسة الدولية وابتعاد احتمال تغيير نظام الأسد على المدى القريب، فإن الجهات الداعمة قد لا ترى فائدة من مواصلة تقديم الدعم للفصائل المعارضة. ويرى لوند: «إذا كان يُنظر إلى الفصائل المعارضة كقضية خاسرة، فهي لن تحظى بمستوى الدعم الخارجي ذاته إلى أجل غير مسمى». ويتابع: «بدأت أرى بالفعل بعض مناصري المعارضة وقيادات في الفصائل تناقش تطورات حلب كأن الانتفاضة باتت الآن فاشلة رسمياً». وفي مواجهة كل هذه المصاعب، قد يسعى بعض المقاتلين إلى إلقاء أسلحتهم والاندماج بين المدنيين، وإن كان من المحتمل أن يحاولوا الفرار إلى خارج البلاد خشية من انتقام النظام. وقد يلتحق بعض مقاتلي المعارضة، وفق هيلر، بالجماعات المتشددة مثل «جبهة فتح الشام»، مع استبعاد أن يشكل تنظيم «داعش» خياراً جاذباً لهم. وقاتل التنظيم المتشدد الكثير من الفصائل المقاتلة، وهو يناصب كل طرف لا يبايعه العداء. ويلفت هيلر إلى أن «سمعة (داعش) أصبحت مشوهة بين السوريين الموالين للمعارضة». ويقول لوند: «على رغم خسائرها، ستقاتل الفصائل المعارضة على الأرجح في الجيوب المتبقية لها، (...) لفترة طويلة جداً». ومع تقلص أعداد مقاتلي المعارضة، وانحسار وجودهم ضمن مساحات جغرافية محدودة، ستجد المعارضة السياسية أن نفوذها الضئيل حالياً في أي مفاوضات، قد استنفد أيضاً. ويقول الصايغ: «لا أرى أن هناك اتفاقاً سياسياً مقبلاً، لا أساس لذلك». ويضيف: «لم يغير أي من اللاعبين موقفه في شكل يجعل من الممكن التوصل إلى أي اتفاق».