د. عبد الحفيظ خوجة * أسوأ مضاعفات السمنة * من الأخطاء الصحية الجسيمة التي شاعت في معظم مجتمعات العالم استمرار ارتفاع نسبة السمنة بين الجنسين، ذكورا وإناثا، لا بل حتى في فئة الأطفال! وكأن السمنة وزيادة الأوزان قد أصبحت أمرا واقعا، الوقاية منها مستحيلة والإصابة بها لا محالة منها، وأنها معضلة صحية يصعب علاجها وتندر مكافحتها. لم يعد هناك من يجهل مضاعفات السمنة ومخاطرها الصحية، وأنها بوابة الأمراض، وتتسبب في الإصابة بأخطر أمراض العصر، سواء على جهاز القلب والأوعية الدموية، أو جهاز المخ والأعصاب، أو الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم، أو التسبب في ضعف الخصوبة والعقم.. إلخ. وماذا بعد ذلك؟ هناك دراسات تشير إلى وجود علاقة بين السمنة والإصابة بأحد أخطر السرطانات انتشارا بين النساء وهو سرطان الثدي من النوع الالتهابي «inflammatory breast cancer»، السرطان الأكثر شدة وعدوانية وضراوة، ويشكل ما نسبته 1 – 5 في المائة من جميع الأنواع الأخرى لسرطانات الثدي، ولا تتجاوز سنوات البقاء قيد الحياة بعد الإصابة به عن 2.9 - 4.2 سنة. وعلى الرغم من أن سرطان الثدي هو الأكثر حظا من بين السرطانات الأخرى التي حظيت باكتشافات علاجية فعالة وأدوية ذكية، فإن النوع المعروف بسرطان الثدي الالتهابي التحريضي يعد من أخطر أنواع سرطان الثدي، وهو الذي يحمل العلاقة مع زيادة الوزن، حيث وُجد أن نسبة الإصابة به تصل إلى 45 في المائة بين المرضى البدينات، مقارنة بـ30 في المائة بين زائدات الوزن و15 في المائة بين ذوات الأوزان المعتدلة. أحدث دراسة في هذا الموضوع قام بها فريق بحث بقيادة الدكتور ماسيمو كريستوفانيللي من مركز سرطان أندرسن في جامعة تكساس. ونشرت الدراسة في مجلةَ أبحاث السرطان السريرية، وقد أجريت على 606 نسوة مصابة بسرطان الثدي في مرحلة الانتشار في نطاق منطقة الصدر فقط. وصرح الباحث بأنه كلما كانت مريضة السرطان بدينة أصبح المرض أكثر عنفا وضراوة. وعلل ذلك بأن النسيج الدهني عند البدينات - السمينات يميل لأن يزيد من الالتهاب الذي بدوره يُؤدي إلى جعل المرض أكثر عدوانية. وجرى تصنيف المرضى طبقا لمؤشر كتلة الجسم «بي إم آي BMI» وهو المؤشر المقبول عالميا لتحديد مستوى زيادة الوزن. فالنساء اللائي لديهن كتلة الجسم أقل من 25 يعتبرن في وضع طبيعي، بينما من هن بين 25 - 29 تكون لديهن زيادة في الوزن، أما عند 30 أو فوق فيعتبرن بدينات سريريا. بعد خمس سنوات، وُجد أن 56.8 في المائة من النساء البدينات و56.3 في المائة من النساء الزائدات الوزن ما زلن أحياء ولكن مريضات، وأن 67.4 في المائة من نساء الوزن الطبيعي كن أحياء ومتعافيات أي قد نجون من خطر المرض، وأن أكثر من 56 في المائة من نساء الوزن الطبيعي تمكن من النجاة من الموت لمدة 10 سنوات، مقارنة بـ42.7 في المائة من النساء البدينات و41.8 في المائة من النساء الزائدات الوزن. لم تعد السمنة مجرد تشويه للشكل والمنظر، بل إن آثارها تَذهبُ لأبعد من ذلك وأكثر، فهي تحدث إجهادا جسمانيا من جراء حمل وزن إضافي، ويمكن أَنْ تُضاعفَ خطر الإصابة بمرض اللوكيميا، ومرض المايلوما المتعدّد، وسرطان الغدة الدرقية، وأمراض سرطان الكلية والقولون، وفقا لما نشر في مجلّةِ «لانسيت» الطبية عن باحثين بريطانيين. وقد علل الباحثون ذلك بأن الخلايا الدهنية تنتج كمية من الهورمونات التي يمكن أَنْ تغذي وتثير النمو السرطاني. * وسيلة للوقاية من الخرف المبكر من الأخطاء التي تعود عليها البعض من الأطباء وصف الكثير من العقاقير والمركبات الكيماوية المعقدة لعلاج مرضاهم متجاهلين ما وفرته لهم الطبيعة من مصادر علاجية ووقائية في الكثير من أنواع الطعام من فواكه وخضراوات. وهذا الأمر ينطبق بشكل واضح على بعض الأمراض كالإصابة بالأعراض المبكرة لألزهايمر. لقد وجد أن الدماغ يتأثر مع تقدم العمر فيصبح أكثر تباطؤا وتثاقلا في أداء عمله بسبب تراكم نوع من البروتين يسمى أمايلويد (amyloid) بين الخلايا العصبية ويرافق ذلك حدوث التهاب وأضرار مؤكسدة (oxidative damage) تخدش الأغشية المغلفة للخلية العصبية فينتج عنها تقطع واضطراب في الإشارات بين الخلايا العصبية. ويؤدي تراكم الكثير من هذا البروتين على مر الزمن مع حدوث المزيد من الالتهاب والضرر المؤكسد، إلى تآكل الخلايا العصبية وتطور الخرف مبكرا عند بعض الناس. تؤكد دراسة فرنسية دور الزيوت الغنية بأوميغا - 3 وكذلك الفواكه والخضراوات في خفض مخاطر الإصابة بالعته أو الخرف المبكر. كما تؤكد دراسة حديثة أخرى، اعتمدت على الملاحظة والترصد، قامت بها الدكتورة مارثا موريس المتخصصة في علم الوبائيات في المركز الطبي بجامعة رش (Rush University) أن هناك عادات غذائية من شأنها أن تساعد في بقاء الدماغ نشيطا. شملت الدراسة 3718 من كبار السن في مشروع شيكاغو للصحة والشيخوخة، وجد أن تناول وجبة سمك واحدة فقط في الأسبوع بإمكانها أن تبطئ بنحو عشرة في المائة من معدل الانحدار الإدراكي، وهو يعني تمتع الدماغ بما يعادل ثلاث أو أربع سنوات إضافية من الأداء الجيد لوظائفه. ووجدت الدراسة أيضا أن الأسماك الدسمة مثل التونة أو السلمون ترتبط مع انخفاض مخاطر مرض ألزهايمر والخرف، إضافة إلى بعض الأحماض الدهنية من أوميغا - 3. وعليه، فإن الأسماك، وهي الغذاء الأساسي للمخ بما تشتمل عليه من مضادات الالتهابات وأحماض دهنية أوميغا - 3، تعد واحدا من أقوى الجنود المجهولين في فريق مضادات الشيخوخة، فوجبة غذائية مكونة من مغذيات بحرية تعد عاملا وقائيا ووسيلة بسيطة في متناول يد الجميع، يمكنها أن تجعل عملية تراكم الأمايلويد بين الخلايا العصبية بطيئة بما يكفي لدرء الخرف. إن جهود العلماء متواصلة في البحث عن وسائل تبطئ التدهور الإدراكي عند الإنسان، وبالجمع بين نتائج الدراستين الفرنسية والأميركية فإن الأسماك، الفولات، الفواكه والخضراوات يمكنها أن تقلل من خطر التعرض لمرض ألزهايمر. استشاري في طب المجتمع مدير مركز المساعدية التخصصي ـ مستشفى الملك فهد بجدة a.khojah@asharqalawsat.com