يقول الفيلسوف العدمي "نيتشة": إن القضايا الكبرى مثل "الحمام البارد من الأفضل الخروج منه بأسرع من دخوله"، هنا نتكلم عن واقع الشباب العربي بعد ثورات الربيع العربي وفقاً لأحدث تقرير صادر عن الأمم المتحدة، الذي يتناول "التنمية الإنسانية العربية لعام 201: الشباب وآفاق التنمية واقع متغير"؛ حيث يشير بالدراسة إلى التحديات والفرص التي تواجه الشباب في المنطقة العربية، خصوصاً منذ عام 2011م، ويسعى لتقديم لمحة عامة عن الشباب في المنطقة، ولتحفيز نقاش جاد يشارك فيه الشباب أنفسهم مع أهم الأطراف الأخرى في المجتمع حول مستقبل التنمية في المنطقة بالنظر إلى وضع الشباب، ودورهم باعتبارهم قضية محورية في هذا الوقت بالذات. ينطلق التقرير من حقيقة أن جيل الشباب الحالي يمثل أكبر كتلة شبابية تشهدها المنطقة على مدى السنوات الخمسين الماضية؛ إذ يكون 30% من سكانها الذين يبلغ عددهم 270 مليون نسمة، وينبه التقرير إلى أن البلدان العربية تستطيع تحقيق طفرة حقيقية، ومكاسب كبيرة في مجالي التنمية، وتعزيز الاستقرار، وتأمين هذه المكاسب على نحو مستدام إذا تبنت سياسات تعطي الشباب حصة يستحقونها في تشكيل مجتمعاتهم وتجعلهم محط الاهتمام سياسياً، واجتماعياً، واقتصادياً. وعلى الرغم من تركيز التقرير على إيضاح واقع الشباب العربي من منظور البعد التنموي، ويقدم من خلال ذلك المؤشرات الإحصائية الموضحة لذلك الواقع، فإنه كان من المأمول الإشارة إلى الآفاق المستقبلية التي يمكن البناء عليها لمواجهة التحديات التي تواجه الشباب واعتبارها إطاراً مرجعياً يحتوي على مجموعة من القيم والمعايير والأساليب المختلفة في التفكير، التي تترسم من خلالها حدود المخيلة الاجتماعية التي ينبغي أن تتجاوز الواقع المعيش، وفقاً لمقاربات سوسيولوجية تعمل على نتاج واقع اجتماعي - تنموي من شأنه الإسهام في تطوير القدرات الذاتية لدى الشباب، ويتخذ منها أشكالاً متنوعة حسب الحالات الاجتماعية، التي تراعي الفروق الفردية التي تعمل على إيجاد الخصائص المشتركة بين فئات الشباب المختلفة، في مراحلها المختلفة، التي تراعي الخصائص النفسية والفسيولوجية والاجتماعية، والتي تعتمد على عوامل التنشئة الاجتماعية والسياسية التي يمكن من خلالها التلاؤم المتدرج مع القيم والأدوار الاجتماعية. وعلى ضوء ذلك، تبرز المشكلات والتحديات الفعلية التي يواجهها الشباب إلى جانب البطالة والشعور بالإحباط الناجم عن التوقعات المستقبلية، والمآلات المسبقة لما يمكن أن يشكل باعثاً للتفاؤل والأمل في ظل مستقبل يكتنفه الغموض في ضوء الواقع الراهن الذي تتجاذبه العصبيات القبلية والدينية التي تلقي بظلالها على طبيعة الولاءات والانتماءات، وتشكل بدورها ضغوطاً متزايدة تواجه الشباب في ظل عولمة الأفكار التي قد تؤدي بالضرورة إلى زيادة الفوارق الطبقية، وتهميش الفئات الشعبية، وتآكل المعايير الوطنية في توفير سلة الأمان الاجتماعي، في إطار المجتمعات التي تقل فيها الاختيارات والبدائل Options. وبذلك يمكن لجيل الشباب أن يستمد أهميته من الإمكانات التي يتيحها تشكل الحركات الاجتماعية والفكرية، وفهم التحولات المتسارعة في المجتمع، التي تنظم إسناد الأدوار حسب المراحل العمرية، حتى لا يحدث هنالك تناقض مبني على مفارقة Paradox، بين حالة الفوضى وحالة عدم اليقين التي تقذفها قوى العولمة لصياغة النموذج التنموي الأفضل، في مواجهة الآراء الأخرى التي ترى أن النموذج التنموي ينبغي أن ينظر إليه على أنه موقف فكري، مما يتطلب إيجاد آليات تكوين الوعي الاجتماعي المنتج للفكر. وهكذا يدعو تقرير التنمية الإنسانية 2016 دول المنطقة إلى "الاستثمار في شبابهم وتمكينهم من الانخراط في عمليات التنمية المستدامة ". وتكتسب هذه الدعوة أهمية خاصة اليوم؛ إذ تشرع كل البلدان، ومنها الدول العربية، في إعداد خططها الوطنية لتنفيذ خطة 2030 للتنمية المستدامة، كما يدعو التقرير إلى تبني نموذج تنمية ذي توجه شبابي، يركز في آن واحد على بناء قدرات الشباب، وتوسيع الفرصة المتاحة لهم، ويعتبر أن تحقيق السلام والأمن على الصعيدين الوطني والإقليمي شرط أساسي لمستقبل جدير بالشباب. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.