×
محافظة الرياض

السعودية: تسجيل 635 مليون متر مربع أراضي خاضعة للرسوم

صورة الخبر

جاء في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي احتُفِل به في 10 الجاري، وقد أقرّته الأمم المتحدة عام 1948 بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وانكشاف الفظائع التي ارتكبها الجيش النازي: «ولما كان تناسي حقوق الإنسان وازدراؤها قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتّع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة». فكان وثيقة فارقة في تاريخ حقوق الإنسان، واعتمدته غالبية البلدان في صوغ دساتيرها وقوانينها الوطنية، مثلما اعتمدته معاهدات واتفاقات دولية عدة (حقوق الطفل - السيداو...). وإذا ألقينا نظرة على مواد هذا الإعلان، نجد أن بعضها يتعارض مع الراهن من حياة السوريين الذين يرزحون تحت وابل حرب فظيعة منذ سنوات ست، عايشوا خلالها كل أنواع القهر والعنف والإتجار بالبشر والتمييز في مختلف أشكاله وأنواعه. ففي المادة الثانية: «لكل إنسان حق التمتّع بالحقوق والحريات كافة الواردة في هذا الإعلان، من دون أي تمييز، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي وضع آخر، من دون أية تفرقة بين الرجال والنساء. وفضلاً عمّا تقدّم، فلن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي لبلد أو البقعة التي ينتمي إليها الفرد سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلاً أو تحت الوصاية أو غير متمتّع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته خاضعة لأي قيد من القيود». واضح من هذه المادة، التباين ما بينها وبين الواقع السوري القائم اليوم على العنف والتمييز ضدّ الإنسان السوري على صعيدين: داخلي: من الأطراف المتصارعة تجاه بعضها بعضاً ومن هم تحت سيطرة كل طرف، من حيث التمييز على أساس الدين والطائفة والعرق والقومية، يُكللها التمييز على أساس الجنس، حيث لاقت المرأة لدى مختلف الأطراف عنفاً لا سابق له، باعتبارها سلاحاً يُستخدم لإهانة الخصم منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب، فواجهت أقسى الإهانات والانتهاكات (الموت والقتل والخطف والاغتصاب والاعتقال) والزواج القسري لطفلات لم تتبرعم أنوثتهن بعد، ويطول الحديث عن مجمل العنف الذي تعيشه السوريات على مختلف الصُعُد المادية والمعنوية والقانونية، وفي هذا انتهاك واضح لاتفاق مناهضة العنف والتمييز ضدّ المرأة، كما أنه انتهاك خطير وشائن لاتفاقات جنيف المعنية بحماية الأطفال والنساء والمدنيين زمن الحرب. خارجي: يتمثّل في الموقف الدولي الذي بات تمييزه واضحاً ضدّ السوريين المُهجّرين والنازحين. إذ يكفي أن يُظهر أي شخص جنسيته السورية ليكون محطَّ ازدراء ونفور وحقد أحياناً، ولنا في بلدان الجوار دليل بيّن على المعاملة السيئة للسوريين، يُضاف إليها المُتاجرة بوجودهم في تلك البلدان للحصول على مساعدات مالية ضخمة لا يصلهم منها سوى الفتات، حتى باتوا كالقطعان التائهة في صحراء جرداء إلاّ من جوعهم وعريهم. كما لم تتوانَ دول عن المتاجرة بالنساء والفتيات تحت مسميات مختلفة لزواج القاصرات، ودعارة النساء عبر شبكات دولية مختلفة، واستخدامهن في مهن جدُّ وضيعة، وهذا ما يتناقض أيضاً مع المادة الرابعة من هذا الإعلان: «لا يجوز استرقاق أو استعباد أي شخص، ويحظّر الاسترقاق وتجارة الرقيق بأوضاعهما كافة». أمّا المادة الثالثة منه فتنصّ: «لكل فرد الحق في الحياة والحرية وسلامة شخصه». وهذا ما يتناقض كلياً مع واقع السوريين أينما كانوا، فحياتهم باتت أقلُّ قيمة وشأناً من حياة حيوانات الغابات، إذ بات الموت اليومي عادياً، إن لم يكن بالقذائف التي تهدّم البيوت على رؤوس ساكنيها، فإنهم يلقون حتفهم على أيدي مجهولين انفلتوا من عقال القانون الإنساني والأخلاقي، حتى صار خطف الإنسان وقتله أسهل وأسرع من لمح البصر، أو يموتون من البرد والجوع والأمراض التي عادت إليهم مُجدداً بعد أن اختفى عدد منها، في ظلّ غلاء أجور أطباء تنكروا لقسم أبقراط، أو عدم توافر الأدوية أو ارتفاع أسعارها، ما جعلهم يواجهون الإعاقات والأمراض السارية والمُستعصية، ناهيك عن الجوع الناجم عن الغلاء واحتكار المواد الأساسية من قلّة تتحكّم بحياة ملايين السوريين من دون حسيب أو رادع قانوني أو أخلاقي، في مقابل تخلي الحكومة عن مسؤولياتها تجاه مواطنيها ورفع الدعم عن هذه المواد، ليكون المواطن وحيداً في مواجهة جوعه وفقره وموته في ظلّ حربٍ لا يد له فيها ولا مصلحة، وهذا ما يتناقض أيضاً مع المادة (25/1): «لكل شخص الحق في مستوى من المعيشة كافٍ للحفاظ على الصحة والرفاهية له ولأسرته، ويتضمّن ذلك التغذية والملبس والمسكن والعناية الطبية وكذلك الخدمات الاجتماعية اللازمة، وله الحق في تأمين معيشته في حالات البطالة والمرض والعجز والترمّل والشيخوخة، وغير ذلك من فقدان وسائل العيش نتيجة لظروف خارجة عن إرادته». أمّا المادة الخامسة من الإعلان: «لا يُعرّض أي إنسان للتعذيب ولا للعقوبات أو المعاملات القاسية أو الوحشية أو الحاطة بالكرامة»، فنجد أنها تُنافي وتُجافي الواقع السوري برمته، إذ تعرّض آلاف السوريين وعلى أيدي مختلف الأطراف، لأصناف من التعذيب والعقوبات والمعاملة القاسية التي لا تحطُّ فقط من كرامة الإنسان، بل وتُلغي إنسانيته أصلاً أثناء الاعتقال والخطف. كما كان الذبح كالشاة مشيئة فُرضت على السوريين بقوة عقيدة متنافرة مع الأديان كافة. هذا على المستوى الداخلي، أمّا على المستوى الخارجي، فالعقوبات الدولية المفروضة كما قيل ضدّ النظام، جاءت ضدّ الفقراء والجائعين والمقهورين، فدفعوا ضريبة عقوبات كانت أكثر قسوة ووحشية، بحيث جعلت حياة السوريين أكثر انحطاطاً من إنسان ما قبل الكهوف. والآن نتساءل: أين الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي وُضِع بعد حربين عالميتين، من الواقع السوري اليوم، وكان من المفترض به وبغيره من مواثيق ومعاهدات دولية أن يعمل وبقوة القانون على وقف هذه الحرب، وإنهاء آلام السوريين وأوجاعهم أينما كانوا.