سيستعيد النظام الحاكم في سوريا بقيادة الرئيس بشار الأسد شرعيته، بفضل استعادة السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية تمتد من دمشق إلى حلب. ورغم أن هذا لن يعني وضع حد للحرب الأهلية الدائرة هناك منذ عدة سنوات، إلا أن القيادة السورية ستكون في وضع أفضل يمُكنها من استعادة السيطرة على الجزء الغربي من البلاد. رغم إصرار المجتمع الدولي على استخدام القوة العسكرية والسياسية لإجبار نظام الأسد على تشارك السلطة، إلا أن القوى الدولية ستُدرك بأن الحكومة السورية تمثل السلطة الصالحة الوحيدة المتبقية في الدولة. سيستعيد نظام الأسد السيطرة على الأجزاء الغربية من مدينة حلب في أوائل عام 2017، إن لم يكن قد حقق ذلك بالفعل. وسيكون ذلك الانتصار بمثابة إنجاز كبير للنظام والقوى الخارجية الداعمة له؛ وأهمها روسيا وإيران. كما سيفقد المتمردون قاعدة أساسية في الشمال إلى جانب أهميتها السياسية. وإلى جانب ذلك، ستُعزِّز قدرة النظام السوري على إعادة تأسيس العلاقات التجارية والاقتصادية بين الشطرين الشمالي والجنوبي من الدولة. سيعترف المجتمع الدولي بأهلية النظام وقد تُعيد بعض الدول علاقاتها مع الحكومة السورية في دمشق، وإن على نطاق محدود. أما على الصعيد الإقليمي، ستكون الدول التي اتخذت موقفاً وسطياً ولم تتبن موقفاً عدائياً من نظام الأسد، مثل مصر والجزائر وتونس، في وضع أفضل يُمكنها من استئناف العلاقات مع دمشق. ينبغي على قادة المنطقة أن يفكروا بلعب دور أكثر فاعلية في الجهود الرامية إلى تحقيق المصالحة. ورغم معارضة بعض الدول لاستعادة النظام السوري لشرعيته، لن تُظهر دول أخرى تلك المعارضة الشديدة لها. كما لن يكون بمقدور المجتمع الدولي دعم الخطط الهادفة إلى تغيير نظام الأسد إذا ما نجح الأخير في السيطرة على مفاصل الدولة المهمة. ويجب أن تدعم الوساطة العربية شمول المعارضة المعتدلة في السلطة، ناهيك عن موقع الدول العربية الذي يخولها لفهم تعقيدات المجتمعات العربية والمساعدة في إقناع النظام بأن المصالحة هي الحل لضمان مستقبل سوريا. الموصل بؤرة التنافس الإقليمي لدول المنطقة ستنجح الحكومة العراقية بطرد تنظم داعش من مدينة الموصل، ولكن المدينة ستتحول إلى مركز للصراع بين القوى الإقليمية والقوى المحلية. فمن جهة، ستتنافس دول المنطقة من أجل تغيير ميزان القوى في شمال العراق. من جهة أخرى، ستتنافس الفصائل الكردية والشيعية والسنية بغية فرض سيطرتها على المدينة والمناطق المحيطة بها. وسينجح الوجود العسكري التركي شمال العراق في دعم النفوذ السني، ولكنه سيزيد أيضاً من تعقيد العلاقات مع الحكومة المركزية في بغداد. ستتحول منطقة شمال العراق إلى ساحة للتنافس الإقليمي، حيث ستسعى مختلف القوى الإقليمية إلى صياغة المستقبل السياسي للمدينة والأحياء المحيطة بها. وإلى جانب ذلك، ستميل طهران إلى إيجاد ممر آمن إلى الأراضي السورية في الشمال. ولذلك، فإن الأجندات الإقليمية المتنافسة والمتنازعة ستكون مصدراً لتأجيج النزاع بعد تحرير الموصل. ينبغي أن يضطلع قادة المنطقة بدور قيادي للوصول إلى حل عربي لطبيعة الحكم في شمال العراق، ومع تزايد حدة التنافس بين أنقرة وطهران في شمال العراق، فإن كلا البلدين يعملان على تقويض سيادة العراق على أراضيه، ولذلك، يظل القادة العرب في موقع يؤهلهم ليس لدعم الحكومة المركزية في بغداد فحسب، بل ولتخفيف حدة سياساتها كذلك. تنظيم داعش يوسع من نطاق هجماته في المنطقة سيؤدي تكثيف العمليات العسكرية ضد تنظيم داعش إلى بداية انهياره في سوريا والعراق خلال عام 2017، ومع ذلك، فسيشن التنظيم هجمات إرهابية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وستؤدي العمليات العسكرية التي تقودها قوى غربية وإقليمية إلى تداعي سيطرة تنظيم داعش وآلته ونفوذه في سوريا. ولكن، ستصبح جميع المناطق المحررة من سيطرة تنظيم داعش محوراً للتنافس بين مختلف الفصائل المتصارعة. من المحتمل أن يفقد تنظيم داعش سيطرته على الموصل في بدايات عام 2017، بسبب التفوق العددي للقوات المشاركة في العمليات مقارنة بمقاتلي التنظيم. ومع ذلك سيلجأ التنظيم الإرهابي إلى نقل الموارد التي لا تزال لديه إلى المناطق الخاضعة لسيطرته في سوريا. لا يزال المجتمع الدولي يفتقر لوجود شركاء حقيقيين لمساعدته في مواجهة تنظيم داعش في سوريا. ورغم أن لدى نظام الأسد أعداداً كبيرة من القوات العربية غير المتطرفة، إلا أن التعامل مع النظام السوري يظل ساماً سياسياً. وتُشكّل قوات سوريا الديمقراطية، التي يتولى الأكراد قيادتها خياراً مناسباً من الناحية السياسية، إلا أن توسعها في مناطق عربية قد يخلق توترات طائفية في شرق سوريا. ورغم أن مجموعات الثوار المدعومة من تركيا تُشكِّل خياراً مناسباً لنشرها على الحدود، إلا أنها تتسم بالضعف الشديد أو التطرف الشديد، ما يحول دون نشرها للمشاركة في معركة الرقة. يجب أن يبدأ القادة في المنطقة بالتفكير في دعم تحرك إقليمي يهدف إلى إصلاح الفكر الإسلامي، إذ أدت المؤسسات الدينية المتطرفة إلى تدمير دول في المنطقة، وأضعفت الثقة بين مختلف المجتمعات العرقية والطائفية، وتركت تأثيراً سلبياً على صورة الدول العربية لدى الغرب. خلافات الدول العربية ستحد تعاونها الاقتصادي سوف تضعف الخلافات بين القوى الإقليمية من جهود الوحدة العربية ومن آفاق تعزيز التعاون الاقتصادي في عام 2017. وكان الربيع العربي أدى إلى انهيار المنظومة الأمنية في المنطقة، ولكن السعودية ودول الخليج الأخرى نجحت في ملء الفراغ مؤقتاً. ومع ذلك، يبدو أن هنالك تصدعات جديدة في العلاقات بين الأنظمة العربية بدأت تطفو على السطح، إذ تقوم مصر بدور جوهري في إعادة تحديد التحالفات الإقليمية. كما ستُشكّل حالة التشرذم في العالم العربي تحديات حقيقية أمام تعزيز فرص التعاون الاقتصادي، وخاصة بين مصر ودول الخليج العربي. تعمل القيادة المصرية حالياً على تطوير سياسة خارجية أكثر استقلالية من ذي قبل، والتي تُفضل إعادة تأسيس جامعة الدول العربية بوصفها المؤسسة العربية الأكثر أهمية. وطالما رفض المسؤولون المصريون التقارب مع الحكومة التركية، التي ينظرون إليها على أنها حكومة إسلامية وقوة خارجية تتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية. وإلى جانب ذلك، فإن مصر لا تدعم إسقاط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، على العكس من الموقف السعودي. ومع ذلك، ستظل العلاقات بين مصر والسعودية علاقات بناءة، ولكن المسافة بين الدولتين ستزداد. ستفقد دول الخليج العربي حماسها تجاه الاستثمار في مصر؛ إذ ستترك وجهة النظر السعودية تأثيراً كبيراً على دول الخليج الأخرى. وإلى جانب ذلك، سيكون للتعقيدات التي تُصاحب تنفيذ الإصلاحات السياسية في مصر دور سلبي في هذه العملية. ويمكن لدولة الإمارات تبني سياسة فريدة حيال علاقاتها الاقتصادية مع مصر، إلّا أن احتمالات الدخول في شراكة أعمق وأكثر استدامة بين دول الخليج ومصر ستضعُف. ينبغي أن يسعى قادة المنطقة إلى إعادة بناء إطار تعاون بعيد المدى لتطوير القطاع الاستثماري وإرجاع الاستقرار للمنطقة.