سونبيرغ (ألمانيا): سوزان دالي ونيكولاس كوليش للوهلة الأولى، يبدو وسط هذه المدينة بمنازلها الكبيرة التي بنيت عندما كانت مركزاً مزدهراً لصناعة الألعاب، منظماً ومزدهراً. لكن نائب عمدة المدينة هيكو فويغت يشير إلى عشرات المناول التي لا يقول إنها قد لا تباع على الإطلاق. والحقيقة هي أن عدد السكان الألمان يشهد تراجعاً، وتعمل مدن مثل هذه المدينة جاهدة على إخفاء الخواء، حيث أشرف فويغت على هدم 60 منزلاً و12 عمارة سكنية، لضخ مزيد من المناطق الخضراء في المناطق مرتفعة الكثافة. وقال: «إننا نحاول الحفاظ على المظهر الجيد للمدينة». ربما لا يوجد مكان أفضل من الريف الألماني لرؤية أفول شمس معدلات الخصوبة المرتفعة في أوروبا على مدى عقود، وهي المشكلة التي تلقي بآثار مخيفة على اقتصاد ونفسية القارة. تشهد بعض المناطق في المدينة ارتفاعاً كثيفاً في نمو العشب، كما يمكن رؤية ألواح مثبتة على النوافذ، والبعض يتخوف من عجز أنظمة الصرف الصحي الفارغة على العمل بشكل سليم. وأضف إلى ذلك التقدم السريع في العمر بين أولئك الذين هم سن العمل. خلال أحدث إحصاء للسكان، اكتشفت ألمانيا أنها فقدت 1.5 مليون من سكانها، ويتوقع خبراء تقلص عدد السكان إلى نحو 66 مليون نسمة بحلول عام 2060، أي بانخفاض 19 في المئة عن العدد الحالي. ويرى علماء الديموغرافيا أن مستقبلاً مماثلاً ينتظر البلدان الأوروبية الأخرى، وأن القضية تبدو أكثر إلحاحاً في ظل تزايد المصاعب الاقتصادية في القارة. تنفق ألمانيا، المعروفة بكونها جزيرة الرخاء، الكثير للعثور على وسائل للخروج من التوقعات المتشائمة، وهي تبدو في وضع مثالي للاقتداء من قبل الدول الأخرى في القارة. لكن على الرغم من إنفاقها 265 مليار دولار سنويا، على الإعانات العائلية، لم تتوصل ألمانيا إلا لأثبات صعوبة تحقيق نتائج جيدة. ولع من أسباب هذا «الإخفاق»، تبني حلول تعتمد على قيم وعادات ومواقف في بلد لديه تاريخ مضطرب في قبول المهاجرين، وحيث لا تزال النساء العاملات اللاتي يربين أطفالا توصفن بـ «أمهات الغربان» في إشارة إلى الإهمال. إذا أرادت ألمانيا أن تتجنب النقص في اليد العاملة الرئيسية، كما يقول الخبراء، فإنه يتعين عليها البحث عن سبل لبقاء كبار السن من العمال في وظائفهم، بعد عقود من دفعهم نحو التقاعد المبكر، كما يتوجب عليها جذب المهاجرين وإظهار الود لهم للاستقرار في ألمانيا. وستحتاج أيضا إلى إلحاق مزيد من النساء بقوة العمل، وتشجيعهن في الوقت نفسه على إنجاب مزيد من الأطفال، وهو تغيير صعب على بلد ظل يمجد طويلاً بقاء الأمهات في المنزل. ويبدي بعض الخبراء قلقا إزاء تأخر ألمانيا في معالجة هذه المسألة. لكن آخرين يقولون إن هذا يثير التشاؤم. إلا أن القضية تحتل على أية حال، اهتماماً بالغاً في ألمانيا. وقد بدأت العائلات الكبيرة في التخلي عن التقاليد التي سادت ألمانيا الغربية في السبعينات، عندما ازدهرت البلاد وبدأ معدل الخصوبة في الانخفاض إلى حوالي 1.4 طفل لكل امرأة ثم توقف عند هذا الحد، وهو أقل بكثير من معدل 2.1 طفل الذي يبقي على استقرار عدد السكان. وحذت بلدان أخرى حذوها، لكن ذلك ليس كل شيء. فهناك حزام خصوبة في أوروبا، يمتد من فرنسا إلى بريطانيا والبلدان الاسكندنافية، مسنوداً بالمهاجرين والخدمات الاجتماعية، يدعم المرأة العاملة. لم يكن ارتفاع مستويات الخصوبة في ألمانيا بالسهولة الممكنة. ويقول منتقدون إن البلاد لم تنجز سوى قدر ضئيل للغاية في إنفاق المال على العائلات في برامج الإعانات والخصومات الضريبية التي تضم الإعانات النقدية للأطفال والأمهات ربات المنازل والتخفيضات الضريبة للأزواج. ويقول أخصائيو الديموغرافيا إن الاستثمار الأفضل سيكون في دعم النساء اللاتي يجمعن بين الأمومة والعمل عبر توسيع برامج الرعاية اليومية وبرامج ما بعد المدرسة. ويشيرون إلى أن المعلومات الأخيرة تظهر أن الزيادة في الخصوبة يتوقع أن تأتي منهم. ويقول رينر كلينغولز، من «معهد برلين للسكان والتنمية»: «إذا ألقيت نظرة عن كثب على الأعداد، سترى مساواة كبيرة بين الجنسين، وارتفاعاً في المواليد». لكن إلغاء الدعم للأسر التقليدية على مدى سنوات كان صعباً. وتقول ميكايلا كرينفيلد من «معهد ماكس بلانك للبحث الديموغرافي» في روستوك بألمانيا: «إن المساس بذلك انتحار سياسي». في هذه الأثناء، تواجه الأمهات اللاتي يحاولن العمل هنا عقبات تثبط الأسر الكبيرة. وعلى الرغم من سن ألمانيا في الآونة الأخيرة قانوناً يضمن الرعاية النهارية لجميع الأطفال على مدى 12 شهراً، مقارنة بمن هم فقط في سن ثلاث سنوات أو أكثر في السابق، يقول خبراء إنه لا يزال هناك نقص في المرافق القليلة التكلفة. وعلاوة على ذلك، تقوم العديد من المدارس بإنهاء اليوم الدراسي عند الظهيرة، وهناك عدد قليل من برامج ما بعد المدرسة. وجدت ميلاني فوغل، وهي امرأة من بون عمرها 39 عاماً، أن الجمع بين العمل والأمومة مثير للإحباط ومكلف حتى أنها قررت إنجاب طفل واحد. ولا تعمل أي من صديقاتها بدوام كامل. وقال ميلاني: «قبل ولادة ابني، كنت سيدة أعمال، لكني بعد الولادة، أصبحت بالنسبة للكثير من الناس مجرد أم». وتجد الكثير من الأمهات العاملات أنفسهن مضطرات لقبول الوظائف متدنية الأجور، وهي وظائف تتطلب العمل لنحو 17 ساعة أسبوعياً مقابل ما قيمته 600 دولار شهرياً. وهناك أكثر من أربعة ملايين امرأة عاملة في ألمانيا، يمثلن ربع القوة النسائية العاملة، يعملن في هذه الوظائف. السبيل الآخر لتعديل التراجع في عدد السكان هو تأخير سن التقاعد لدى العمال الأكبر سناً. وتعمل الحكومة الألمانية الآن على رفع سن التقاعد من 65 إلى 67 عاما، وقد سعت الشركات جاهدة للتكيف مع ذلك. وارتفعت نسبة العمال الذين تتراوح أعمارهم بين 55 إلى 64 في قوة العمل إلى 61.5 في المائة عام 2012 من 38.9 في المئة عام 2002. أعادت شركة «فولكس فاغن» تصميم خط التجميع لتيسير الأعمال التي تتطلب الانحناء والمرتفعة التي تسبب ضغطا مفرطا على أجساد العمال. وكانت الشركة قد بدأت قبل نحو ثلاث سنوات، في استخدام المقاعد الدوارة التي تدعم الظهر حتى بالنسبة للمناطق التي يصعب الوصول إليها في السيارات التي تقوم الشركة بتصنيعها، وتركيب أجزاء ثقيلة مثل العجلات ويتم تصنيع الأجزاء الأمامية في كثير من الأحيان بصورة آلية بالكامل. ونتيجة لارتفاع معدلات البطالة في غالبية جنوب وشرق أوروبا، تأتي ألمانيا في مكانة جيدة لزيادة الأيدي العاملة باختيار أفضل وألمع الأيدي العاملة من جيرانها، وبدأت في القيام بذلك. وفي ظل وجود مئات الآلاف من الوظائف التي تتطلب مهارة غير مدرجة، يعتقد بعض المديرين التنفيذيين بضرورة تغيير قوانين الهجرة وقبول العمال الأجانب للتنافس على العمال مع الدول التي تشهد تقدما في أعمال الأيدي العاملة بها. وقد أثبتت تجربة ألمانيا في إدماج العمال الأجانب في الماضي صعوبة، لاسيما الأقلية التركية الكبيرة في البلاد. ويبدي العديد من المسؤولين الحكوميين وقادة الأعمال الذين يدرسون الثقافة الألمانية، حرصا على بذل كل ما يلزم لتكون بلدهم دولة مضيافة، لكن لم يتضح بعد مدى إمكانية نجاح ذلك. وقد أثبتت دراسة أخيرة أن أكثر من نصف اليونانيين والإسبان الذين حضروا إلى ألمانيا غادروا خلال عام. والكثير من الوافدين إلى ألمانيا هم من الشباب الذين يتمتعون بكفاءة عالية. وقد أصبحت الهجرة بشكل عام مؤقتة والتنقل عبر الحدود في أوروبا سهلاً على نحو خاص. ويقول الدكتور كلينغولز: مومباي: «الشرق الأوسط» أعتقد أن الإجابة بحاجة إلى البحث خارج أوروبا». * خدمة «نيويورك تايمز»