الجولة الخليجية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والاحتفاء الكبير الذي لقيه يحفظه الله، مع الوفد المرافق، أكدت من جديد مدى الحب والاحترام والتقدير الذي يحفظه إخواننا في دول الخليج للشعب السعودي ولقيادته، وكانت الجولة الملكية فرصة لكي يقدموا لنا فعلا وقولا ماذا تحفظ نفوسهم الأبية الكريمة. دول الخليج العربية أمامها تحديات كبيرة، فنحن في بيئة مضطربة والذي يعزلنا ويبعدنا عن المخاطر هو قدرتنا على المضي بقوة في مشروع الاتحاد والتكامل الخليجي، والحمد لله أننا قطعنا مسارا طويلا ومهما في هذا الاتجاه، والمنجزات التي تحققت في العقود الثلاثة الماضية مؤشر قوي على نجاح «الإرادة السياسية»، وعلى قدرة القيادات الحكومية والخاصة في مختلف المجالات على التغلب على العوائق والمشكلات الفنية. جولة الملك سلمان الخليجية تجدد الأمل وتعطي دفعا قويا لمشروع الوحدة، فالمملكة بحكم حجمها وإمكاناتها وثقلها السياسي هي قاطرة التعاون الخليجي، لذا عندما تتحرك فإنها تأخذ معها دول المنطقة جميعا، وتحركها يوجد الحيوية السياسية، وهذا ما يقوله ويؤكده أشقاؤنا في العواصم الخليجية، وهم الأكثر فرحا ودعما وتأييدا لأي تحرك يقوده الملك سلمان، وخير مثال قراره التاريخي لإطلاق حملة الحزم للدفاع عن الأمن الخليجي ولدعم الشرعية في اليمن. المشهد السياسي الخليجي الإيجابي اكتمل مع انعقاد القمة الخليجية في البحرين الثلاثاء الماضي، وقد تلقت القمة عرضا تاريخيا بريطانيا لإقامة حلف استراتيجي مع دول المجلس، وهذه إضافة سياسية ومعنوية كبيرة للتحالف الخليجي الذي وضع بين أهدافه الأساسية التحول إلى كتلة اقتصادية عالمية كبرى، وتم إنشاء مجلس الاقتصاد والتنمية للعمل على تحقيق هذا الهدف. نتائج القمة جددت الثقة بقدرتنا على التحول الإيجابي. فتقارير الإنجاز لدى الأمانة العامة لمجلس التعاون توضح أن الفرق الفنية الخليجية عملت بجد وإخلاص لخدمة مشروع الوحدة الخليجية. المسؤولون في الأجهزة الحكومية الخليجية استمروا في الحوار والنقاش المضني لسنوات، وهذا ضروري حتى لا يقوم الاتحاد على الأحلام والأماني والمجاملات، بل يفترض أن يتأسس على أرض صلبة قوية تأخذ في الحسبان جميع الاعتبارات الضرورية لكي يحقق الاتحاد المنفعة والمصلحة بالتساوي للجميع، فهذا ضمان المستقبل، لذا كان من الضروري المكاشفة والمصارحة، وأيضا كان من الضرورة تقديم التنازلات والتضحيات من الجميع. الذي يرى سجل الإنجازات في العقود الثلاثة الماضية يكتشف أمورا إيجابية أساسية تحققت ويستفيد منها مواطنو الدول جميعا، فالمواطنة الاقتصادية تتوسع، وهناك من الدول ما تبادر إلى تقديم تسهيلات ومميزات إضافية، وشركات القطاع الخاص الخليجية تستفيد من التسهيلات والدعم الذي تقدمه الدول لحفز الاستثمار في التجارة والصناعة، والقيادات الذكية الجادة العصامية عرفت كيف تستفيد من التكامل الخليجي. أيضا على جبهة مهمة نرى الاندماج على المستوى الشعبي يتحقق بصورة متسارعة، فالشباب بدأ يرى صورة للمواطنة الخليجية القادمة لم يرها الجيل الذي شهد بدايات الانطلاق فظل أسير الصورة النمطية السلبية عن العمل العربي المشترك، وكانت خطوة إيجابية ضرورية من الأمانة العامة أن أشرك الشباب عبر آلية جديدة لكي يكون لهم دور في صياغة توجهات الاتحاد القادم. وفي سياق ربط المصالح أقرت القمة الأخيرة آليات جديدة لتبادل المعلومات الائتمانية بين دول المجلس وفق خطة العمل قصيرة الأجل والإطار الشامل لآلية تسهيل تبادل المعلومات الائتمانية بدول المجلس. أيضا ولمواكبة تطلعات مواطني دول المجلس في توفير بيئة آمنة وسريعة للتحويلات المالية وافق المجلس الأعلى على تأسيس وبناء نظام ربط لأنظمة المدفوعات بدول المجلس وتفويض مؤسسات النقد والبنوك المركزية بدول المجلس بتملك وإدارة وتمويل المشروع. هذه إنجازات على المستوى الاقتصادي يقابلها تكامل للأنظمة الأمنية والدفاع المشترك، وتوحيد العمل السياسي الدولي، وجهود منسقة في المنظمات الدولية، والقادم يحمل الكثير لأجل تسرع الوصول إلى مشروع الوحدة. وكل الذي أرجوه من إخواننا العاملين على مشاريع الوحدة الخليجية أن لا يحبطوا من الآراء السلبية التي تبرز في الإعلام تجاه عمل المجلس. فمسحة التشاؤم هذه تأتي في إطار الحفز والتشجيع لهم لكي يسرعوا العمل، فالناس يحرقها الأمل والرغبة لأن ترى الكيان قويا ومتحدا. إنه القلق الموضوعي. لقد جددت جولة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز الأمل في قيام الكيان الموحد، فالمشاعر والأصوات الخليجية التي احتفت بالملك في العواصم الخليجية نحسبها هي مشاعر وصوت كل مواطن خليجي.