طالبت محكمة الجنايات رجال البحث والتحري بالالتزام بالإجراءات المنصوص عليها في قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية بالقبض على المتهمين، وأن يكون القبض إما بعد الحصول على إذن من النيابة العامة أو في حال الجريمة المشهودة. أكدت محكمة الجنايات أن قيام رجال البحث والتحري بالقبض على شخص من دون اتباع الإجراءات التي نص عليها قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية في القبض والتفتيش يؤذي العدالة، وأن أي قيد على حرية الشخصية بوصفها حقا طبيعيا من حقوق الإنسان يتطلب أن يكون قيدا وفق القانون. ولفتت المحكمة التي أصدرت حكمها برئاسة المستشار أحمد الياسين وعضوية وكيل المحكمة سليم العازمي والقاضي حازم شبل، إلى أن قيد القبض أو التفتيش على الإنسان لا يجوز إلا في حالات التلبس باعتبارها جرائم مشهودة، أو بإذن من النيابة العامة، أو في إحدى الحالات التي وردت على سبيل الحصر فقط، مؤكدة أن تفتيش الضابط لأي متهم احترازيا يجب ألا يتعدى مسألة تجريد المتهم من الأسلحة التي قد يحوزها او التي قد يستخدمها للمقاومة دون أن يمتد ذلك التفتيش الى أمور أخرى تتطلب الحصول على إذن من النيابة العامة. واعتبرت المحكمة أن الاجراءات التي اتبعها أحد رجال البحث والتحري بضبط متهم لمجرد الاشتباه به بحيازة مواد مخدرة ومؤثرات عقلية بقصد التعاطي، مخالفة للقانون، وقضت ببراءته من الاتهامات المنسوب اليه من النيابة العامة، تأكيدا على أن ما بني على باطل من إجراءات لدى القبض على المتهم يؤدي الى بطلان بقية الإجراءات التي تمت من بعد ذلك الإجراء. وكانت النيابة العامة قد أسندت الى المتهم حيازته وإحرازه مواد مخدرة (حشيش) ومؤثرات عقلية عبارة عن أقراص بقصد التعاطي، إلا أن المتهم أنكر الاتهامات المنسوبة اليه من النيابة العامة ودفع المحامي المنتدب من المحكمة والحاضر مع المتهم ببطلان القبض والتفتيش وما ترتب عليهما من إجراءات والإشارة الى أن المتهم تصرف له عقاقير طبية لعلاج حالته الصحية والمتهم قدم وصفات طبية غير مفرزة. تقدير الدليل وقالت المحكمة في حيثيات حكمها إن دفع المتهم ببطلان تفتيشه وما ترتب عليه من إجراءات سديد، ذلك أنه من المقرر بقضاء محكمة التمييز أن تقدير الدليل هو من صميم اختصاص قاضي الموضوع، فلا يصح النعي على المحكمة وهي بسبيل ممارسة حقها في التقدير- بأنها تجاوزت سلطتها، إذ إن في ذلك ما يجر في النهاية إلى توقيع العقاب على بريء - وهو أمر يؤذي الجماعة، مما يتحتم معه إطلاق يد القاضي الجنائي في تقدير سلامة الدليل وقوته دون قيد، فيما عدا الأحوال المستثناة قانونا. وأوضحت أن تقدير الظروف المحيطة بالجريمة وما كانت متلبسا بها أو غير متلبس بها هو ما تستقل به محكمة الموضوع بغير معقب عليها، مادامت قد أقامت قضاءها على أسباب سائغة، وأن مؤدى ما تنص عليه المادة 43 والمواد من 53 إلى 57 من قانون الإجراءات والمحاكمات – وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة- أن أي قيد على حرية الشخصية بوصفها حقا طبيعيا من حقوق الإنسان يستوي في ذلك أن يكون القيد قبضا أو تفتيشا لا يجوز إلا في حالات التلبس، باعتبارها جرائم مشهودة أو بإذن من النيابة العامة، أو في إحدى الحالات التي وردت على سبيل الحصر. تفتيش احترازي وقالت المحكمة إن الثابت مما شهد به ضابط الواقعة بالتحقيقات من أنه أثناء قيامه بجولة أمنية في منطقة مبارك الكبير، أبصر المتهم راجلا بحال غير طبيعية، وبطلب إثباته تبين أنه لا يحمله، وبتفتيشه احترازيا عثر بجيب دشداشته الأيمن على كيس بداخله 48 قرصا دائري الشكل أبيض اللون، الذي أشارت إليها المحكمة بتقرير الأدلة الجنائية، فأحاله وإياها إلى جهة الاختصاص التي أحالته للنيابة العامة، والتي أمرت بتحليل تلك المضبوطات وعينة من بوله، فعثر بها على المواد المبينة بتقريري الإدارة العامة للأدلة الجنائية. وبينت أن ما قام به ضابط الواقعة من تفتيش احترازي للمتهم قد تعدى ما هو مقرر له من حق - بنص المادة 51/ 1 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية- التي تجيز لمن يقوم بالقبض أن يفتش المقبوض عليه مبدئيا لتجريده من الأسلحة وكل ما يحتمل أن يستعمله في المقاومة أو في إيذاء نفسه أو غيره، إلى البحث عما قد يحوزه المتهم من مواد مؤثمة قانونا، إذ إن ذلك التفتيش الذي قام به ضابط الواقعة لم يكن بناء على جريمة مشهودة وقعت من المتهم، أو بناء على أمر من النيابة العامة، الأمر الذي تقضي معه المحكمة والحال كذلك ببطلان ذلك الإجراء وما ترتب عليه من شهادة القائم به وضبط المضبوطات وتحليلها وتحليل عينة من بول المتهم، وما أسفر عنه ذلك التحليل من نتائج، ولما كانت الأوراق بعد استبعاد الأدلة المتحصلة بطريق غير مشروع خالية من دليل يصلح لإسناد الاتهام للمتهم، وفقا لما هو وارد بتقرير الاتهام، فإن المحكمة تقضي والحال كذلك ببراءته منه عملا بنص المادة 172/1 من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، وحيث إنه عن المضبوطات فإن المحكمة تقضي بمصادرتها عملا بنص المادة و49/1 من قانون مكافحة المؤثرات العقلية.