أكد أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح أمام البرلمان الجديد أمس أن تقليص الإنفاق العام أمر "حتمي" في ظل انخفاض أسعار النفط الذي تسبب في عجز كبير في الموازنة العامة. وبحسب "الفرنسية" و"رويترز" قال أمير الكويت خلال افتتاحه الدورة الأولى لمجلس الأمة المنتخب "إنني على ثقة بأن مجلسكم الموقر وإخواني وأبنائي المواطنين جميعا يدركون بأن خيار تخفيض الإنفاق العام أصبح أمرا حتميا من خلال التدابير المدروسة". وأوضح أن الانخفاض الهائل في إيرادات الدولة جراء تراجع أسعار النفط "أوقع عجزا كبيرا في الموازنة العامة للدولة لا مفر من المبادرة إلى اتخاذ إجراءات فعالة لمعالجته والتخفيف من آثاره". وتضررت الكويت عضو منظمة أوبك كثيرا جراء هبوط أسعار النفط. وطبقا لتصريحات حكومية، فإن الميزانية العامة للدولة يتوقع أن تسجل عجزا قدره 9.5 مليون دينار (31.1 مليون دولار) للسنة المالية الحالية التي تنتهي في 31 آذار (مارس) المقبل. ويعد النفط المورد الرئيس لخزينة الكويت العضو في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، ويبلغ إنتاجها نحو ثلاثة ملايين برميل يوميا. كما يقدر احتياطها بنحو 7 في المائة من الاحتياط العالمي. وتعمل الكويت على استدانة خمسة مليارات دينار لتمويل عجز الميزانية العامة للسنة المالية الحالية 2016-2017 التي تنتهي في 31 آذار (مارس) المقبل. وحصلت الحكومة في حزيران (يونيو) الماضي على موافقة البرلمان على الخطة، التي أعلنتها لإصلاح أوضاع الاقتصاد على المدى المتوسط وعرفت بوثيقة الإصلاح الاقتصادي وتهدف إلى إصلاح الميزانية العامة وإعادة رسم دور الدولة في الاقتصاد وزيادة دور القطاع الخاص وتفعيل مشاركة المواطنين في تملك المشروعات العامة وإصلاح سوق العمل. واعتبر الأمير أن التحدي المتمثل في "الانخفاض الهائل في إيرادات الدولة جراء انخفاض أسعار النفط" هو التحدي الثاني الذي يواجه الكويت بعد التحدي الأمني. وقال "لا مفر من المبادرة إلى اتخاذ إجراءات فعالة لمعالجته والتخفيف من آثاره، وإنني على ثقة بأن مجلسكم الموقر وإخواني وأبنائي المواطنين جميعا يدركون أن تخفيض الإنفاق العام أصبح أمرا حتميا من خلال التدابير المدروسة لإصلاح الخلل في الموازنة العامة ووقف الهدر واستنزاف مواردنا الوطنية وتوجيهها نحو غاياتها الصحيحة". وأكد أهمية أن يتم هذا الأمر "مع الحرص على التخفيف عن كاهل محدودي الدخل ومراعاة العدالة الاجتماعية". وانتخب الكويتيون في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي برلمانا جديدا في اقتراع يرى الكويتيون أنه يمثل استفتاء على إجراءات التقشف التي جاءت نتيجة لانخفاض أسعار النفط العالمية. وقال الشيخ صباح "في ظل الأوضاع الراهنة عالميا وإقليميا من حولنا. ينبغي التزام الأولويات وتقديم الأهم على المهم ويجب أن يدرك الجميع أن هذا ليس وقت الترف السياسي أو التكسب على حساب مصلحة الكويت العليا". وكان أنس الصالح وزير مالية الكويت قد قال في تموز (يوليو) الماضي إن المصروفات ستبلغ 18.9 مليار دينار في السنة المالية 2016- 2017 بينما ستكون الإيرادات 10.4 مليار دينار منها 8.8 مليار دينار إيرادات نفطية. لكن خبراء يقولون إن العجز سيكون أقل من تقديرات الحكومة بكثير نظرا لأن الحكومة تبني حسابات الميزانية على سعر متوقع قدره 25 دولارا لبرميل النفط الكويتي في حين يقارب سعره الفعلي نحو 50 دولارا حاليا. واتخذت الحكومة إجراءات تقشف شملت رفع أسعار مشتقات نفطية بنسب وصلت إلى 80 في المائة، كما تعتزم زيادة أسعار الكهرباء والمياه للمقيمين للمرة الأولى منذ 50 عاما. وتسببت إجراءات التقشف في أزمة سياسية أمر على أثرها أمير البلاد بحل البرلمان في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي لتجري بعد ذلك انتحابات تشريعية سجلت خلالها المعارضة التي تهيمن عليها التيارات الإسلامية عودة قوية بحصولها على نحو نصف مقاعده. وقبل بدء انخفاض أسعار النفط في منتصف 2014، كان النفط يشكل نحو 95 في المائة من إيرادات الكويت، التي بلغت نحو 97 مليار دولار في السنة المالية 2013/2014 قبل أن تتراجع إلى 40 مليار دولار في السنة المالية الأخيرة التي انتهت في 31 آذار (مارس) الماضي. واتجهت البلاد أخيرا للاستدانة وذلك للمرة الأولى في فترة عقدين من أجل مواجهة العجز في الموازنة. وتتمتع الكويت التي يشكل المواطنون نحو 30 في المائة من مجموع سكانها البالغ عددهم 4.4 مليون نسمة بواحد من أعلى مستويات الدخل الفردي في العالم بنحو 28.5 ألف دولار بحسب صندوق النقد الدولي (2015). وقال أمير الكويت أمام البرلمان "ما كان بودي أن يأتي يوم أطلب منكم فيه التخلي عن شيء من الوفرة"، داعيا إلى تخفيف هذه الإجراءات على محدودي الدخل "ومراعاة العدالة الاجتماعية".