×
محافظة المنطقة الشرقية

الاحتلال يعتقل 15 فلسطينيا في الضفة

صورة الخبر

في نوفمبر الماضي كنت في أميركا حين دخلت متجرا للملابس النسائية.. وقفت طويلا أمام فستان جميل حتى اقتربت مني شابة تعمل في المحل وسألتني كيف أخدمك؟ قلت: أفكر بشراء هذه القطعة ولكنني محتار هل أخذها لزوجتي أم لابنتي.. وبدل أن تساعدني قالت مستغربة: هل لديك فتاة بهذا الطول؟ قلت: نعم. قالت: منذ متى وأنت متزوج؟ قلت: منذ ثلاثة وعشرين عاما.. تلفتت حولها ثم قالت فيما يشبه الهمس: أنا وصديقي مارك قررنا الزواج أخيرا، هل لديك أي نصائح بخصوص الحفاظ على زواجنا لمثل هذه الفترة.. ظننتها تمزح، وكدت أضحك بالفعل، ولكنها كانت جادة في طلب النصيحة، خصوصا حين قالت إن متوسط الزيجات في أميركا لا يتجاوز الأربعة عشر عاما.. وهكذا تركنا الفستان وبدأنا نتحدث عن أسباب الزواج السعيد، وفاتها أنني مثل كل الرجال السعوديين لم أكن أعرف حتى مقاس زوجتي!! بدأت بهذه القصة لأنها آخر تجربة توضح طبيعة الشخصية الأميركية.. فالأميركان يتمتعون بشخصية منفتحة يصعب أن تراها في أي مكان في العالم.. يعقدون صداقات سريعة مع الأغراب حتى قبل السلام والكلام ومعرفة الأسماء.. فأنا بالنسبة لتلك الفتاة شخص غريب لا تعرفه ولا يعرفها، ناهيك عن معرفتي بصديقها مارك.. لم تسألني عن اسمي أو بلدي ومع هذا سألتني -وكأنني صديق قديم- إن كان لدي نصائح تخص الزواج!! .. ومن تجاربي الأخرى دخولي إلى مصعد كان بداخله رجل أسمر يكاد طوله يصل مترين.. كنت مصابا حينها بكدمة سوداء حول عيني اليمنى (كالتي تظهر بعد لكمة قوية).. نظر إلى مبتسما وقال (رغم أنه لا يعرفني ولا يعرف اسمي): كيف حال الرجل الآخر؟ قلت: أفضل مني بكثير.. ضحك حتى بدت أنيابه، ثم أخرج كرته الخاص وقال قبل أن يغادر المصعد: اتصل بي حين تفكر بمواجهته مجددا.. وبعد خروجه نظرت في الكرت فاتضح لي أنه مدرب ملاكمة يدير حلبة رياضية وسط منيابلس.. .. وذات يوم كنت في الباص فجلست أمامي امرأة شابة تمتلئ عيناها بالدموع.. لا أعرف السبب ولكنها كانت تحاول ألا تجهش بالبكاء أمام الناس.. غير أن دموعها بدأت تسيل بالفعل فقامت سيدة عجوز وجلست بقربها وحضنتها بلا تردد (مثل أم تحتضن طفلتها).. حينها فقط بدأت تبكي بصوت مرتفع فيما استمرت السيدة العجوز في احتضانها حتى نزلت من الباص.. .. قد يعتقد البعض أن حديثي هذا من قبيل الثناء أو المديح، ولكنني أحاول فقط إخباركم بالطبيعة العفوية للشخصية الأميركية ومدى انفتاحها على الآخرين (وكل من سافر أو درس هناك يفهم قصدي جيدا).. وما يثير دهشتي أكثر أن الانجليز (الذين منحوا ثقافتهم ولغتم لأميركا) يبدون متحفظين وجادين كثيرا مقارنة بالأميركان.. ففي أميركا يمكنك أن تعرف بسهولة من يحبك ومن يكرهك ومن يعاملك بعنصرية، في حين يمكنك أن تعيش سنوات في إنجلترا (أو السويد واليابان والدنمارك) دون أن تتأكد من حقيقة مشاعرهم نحوك.. حين كنت أدرس في معهد اللغة قالت معلمتنا الإنجليزية: الأميركان يتحدثون لغتنا ولكنهم يتفوقون علينا في طرق التواصل الأخرى.. لم يصعب علي فهم قصدها كون اللغة المنطوقة لا تشكل سوى 22% من لغة التواصل بين البشر.. أما المتبقي؛ فتتكفل به الابتسامة، واللطف، والمبادرة، والتعامل الجميل والانفتاح على الآخرين..