بكيتك يا أمي... وما زلت أبكيك... لا أدري هل ألوم عيني التي مازالت تذرف دموعها كلما لاح طيف محياك في مخيلتي، فدموعي لا تريد أن تنتهي أبدا؟ أم ألوم قلبي الذي يعصر فؤادي كلما تذكرتك، ليت في مقدرتي ان احمله واسكن ألمي... أم ألوم عقلي الذي يذكرني بك كلما نسيتك أو حاولت أن أتناساك يا أمي؟! يا الله كم اشتقت إلى تقبيل يديك التي تفوح منها رائحة الحنة يا أمي... رحمك الله كنت دائما إلى جانبي بعطفك وحنانك وحبك لي ولعائلتي. كم دعوت الله أن يبشرني بك خيرا يا أمي... وأحمد الله تعالى... فلطالما انتظرت من ربي البشارة... وكنت أدعو و أدعو الله أن يبشرني بك خيرا يا أمي. ولطالما انتظرت البشارة من الله... بشارة خير أرى فيها مكانتك عند الرحمن الرحيم... والحمد لله لم يخب رجائي، فلقد أتيتني في المنام يا أمي... أتيت بأحسن حال... وأنت باسمة ومبتهجة، يفيض البشر من قسمات وجهك... ويطفح النور من محياك... فاللهم لك الحمد يا ربنا يا رؤوف بعبادك يا أكرم الأكرمين يا رب العالمين. ثم حلمت بك في منام هز كياني، من قمة رأسي حتى أخمص قدمي... رأيتك في منامي تعطينني الخواتم الخمسة الجميلة وتضغطين على يدي بقوة وعزم... كأنك توصينني بها خيرا... يا الله حتى وأنت بعيدة عنا تهتمين بأمورنا... وتقلقين على راحتنا وسعادتنا... حتى وأنت في عالم البرزخ توصينني على ابنائي الخمسة، خذي بالك منهم لا تضيعي ولا واحدا منهم... هم زوادتك وسعادتك في الحياة... نعم يا أمي العظيمة هم عيالي فلذة كبدي، سأخبئهم في تجاويف قلبي... وأغطيهم برموش عيوني... وسأربيهم وأحسن تربيتهم كما ربيتنا أنت، اطمئني يا أمي لن يضيع أي خاتم من هذه الخواتم... هم شرايين قلبي... وجفون عيوني، هم الدم الذي يجري في عروقي. اعذروني يا إخوتي وأخواتي... فأنا لم أجرب أي فن من فنون الكتابة من قبل... ولكن بعد رحيل الغالية، رأيت نفسي من غير شعور أندفع للكتابة... لعل هذه الحروف والكلمات تكون بلسما شافيا ودواء لقلبي الجريح، لقد أوشك الكلام والحروف أن تنتهي يا أمي... لكن شوقي لك ما انتهى... وها أنا أراك أمام ناظري تتنقلين في بيتك من غرفة إلى غرفة، تزرعين بسمة هنا... وقبلة هناك... ودعوة للداخلين، ودعوات للخارجين... نعم أراك ما زلت تقيمين معنا تشاركيننا الطعام والشراب... والسوالف والحكايات الجميلة... صدقيني يا أمي... هذا الذي أعاينه تماما... قد تظنون أن عقلي قد أصابه مس من الجنون، وتذهب بكم بعيدا كل تلك الظنون... قولوا كما تحبون وتشتهون... لكن الشيء الوحيد الذي ما زال ماثلا أمام ناظري أنك يا أمي العظيمة... ما رحلت ولا غادرت... بل ما زلت بيننا في عيوننا تنامين وتصحين... في قلوبنا تسكنين وتقيمين... واليوم هو مرور سنه على فراقك فياليت ياليت يعود بي الزمن للوراء للحظة واقبل يديك فأنا لم اكتفِ بتقبيلها ولَم اعلم بأنك سترحلين فجاة دون وداع لابنتك الصغيرة. أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يحشرك في زمرة المؤمنات والمؤمنين.