×
محافظة المنطقة الشرقية

خادم الحرمين الشريفين يغادر الكويت مختتماً جولته الخليجية

صورة الخبر

كان صلاح قد قارب الخامسة والأربعين من عمره عندما تعرف إليها، وقتها كاد يكون وحيداً فوالداه فارقا الحياة والأشقاء والأصدقاء تزوجوا واحداً تلو الآخر، بينما كان هو الوحيد الذي يعاند ويصر على أنه أقوى من كل امرأة أو كما يقولون عنه قاهر النساء الذي لا تستطيع امرأة أن تقهره، وذات مرة لبى مضطراً دعوة صديقه علي لحضور حفل عيد ميلاد طفله الوحيد الذي أكمل الخامسة من عمره وهناك التقى دعاء التي كانت قريبة لزوجة صديقه ودعتها لمساعدتها على إعداد الحفل وتلبية طلبات المدعوين، وعرف وقتها أنها رغم الجمال الذي تملكه فشلت في الزواج مرتين قبل أن تكمل الثلاثين، وبخبرته الواسعة في عالم النساء أيقن أنها صيد سهل، خاصة وأن ملامح الفقر تبدو واضحة عليها وزوجة صديقه تتعامل معها وكأنها خادمة وليست قريبة.اختار الوقت المناسب للانصراف وهو متيقن أنها ستنصرف في التوقيت نفسه تقريباً، فمثلها يمكن دعوتها لحفل زفاف أو ميلاد أوغيره من الاحتفالات للمساعدة على القيام بأعبائها لكن لا يمكن دعوتها للمبيت. صدق حدسه، وفي الوقت الذي كان يدير مفتاح سيارته متلكئاً شاهدها تخرج من باب منزل صديقه وهي تتلفت يميناً ويساراً تبحث عن وسيلة مواصلات لتوصيلها إلى منزلها فتقدم إليها على الفور وبكل جرأة دعاها لتوصيلها إلى منزلها وحتى تفهم قصده وتكون الأمور واضحة منذ البداية كما اعتاد دائماً، دعاها للمبيت معه حتى الصباح إذا كان منزلها بعيداً، ويبدو أن دعاء تعلمت من فشلها السابق في تجربتي الزواج فصدته برفق من دون أن تجعله يقطع الأمل فيها. خلال اللقاءات بينهما بعد ذلك تمكنت من التسلل إلى حياته برفق حتى تعلق بها واستولت عليه تدريجياً وفرضت نفسها على حياته من دون أن يشعر ومن دون أن تخسر شيئاً، ودائماً تعطيه الشعور بأنه السلطان وأنها الجارية، وعندما وصلت بهما الأمور إلى مفرق الطرق إما الفراق أو الزواج جعلته يشعر بالخجل عندما عرضت عليه الاكتفاء بوثيقة زواج عرفي على يد محامٍ، وعندما سألها لماذا تقبل ذلك على نفسها كانت إجابتها لأنها أحبته فعلاً ولا تريد أن تكلفه ما لا يطيق. أمام موقفها النبيل اصطحبها في اليوم نفسه إلى المحامي وبعد أن عقدا القران أبلغ صلاح أهله فأعلنوا مقاطعته، وفي الحقيقة كان سعيداً بهذه المقاطعة في أول الأمر فقد أعفته من الكثير من الواجبات الاجتماعية الثقيلة على قلبه والتي كانت تكلفه الكثير مادياً بلا انتظار لمقابل، خاصة وأن راتبه من شركة البترول التي يعمل فيها أصبح يكفيه هو وعروسه بالكاد، لكنه سرعان ما شعر بأن كل إنسان لا يستطيع الاستغناء عن جذوره ومع ذلك واصل التحدي سواء لأهله أم لنفسه واستمر في مقاومة حبها مؤكداً لها ولنفسه في كل لحظة أنه تزوجها لكي يرد لها جميل حبها له وأنه لم ولن يحب امرأة أو يجعلها تستحوذ عليه وكل ما يقدر عليه هو العطف فقط، لكنه لاحظ مع مرور الأيام والشهور وتحت تأثير حبها الشديد أنها تتسلل إلى أعماقه ومشاعره برفق وهدوء حتى كاد يعترف لنفسه وليس لها بأنه يحبها ولكي يظل صاحب الفضل واليد العليا دائماً وبعد مرور أقل من عامين على زواجهما العرفي أخبرها بأنه أعد لها مفاجأة فسوف يعلن زواجهما رسمياً في حفل كبير وسوف يدعو إليه جميع الأهل والأصدقاء والمعارف ومن يرفض الحضور فهو في غنى عنه، والشرط الوحيد الذي وضعه أمامها أن تستمر في الالتزام بعدم الإنجاب حسب الاتفاق السابق بينهما قبل عقد الزواج العرفي.ظهرت الفرحة واضحة على وجه دعاء وتعمدت ألا تتحدث عن شرطه باعتباره أمراً مسلماً به ومالت على يديه تقبلهما فرفعها سريعاً قائلاً إن هذه أقل مكافأة يستطيع أن يقدمها إليها. شعرت دعاء بالامتنان تجاهه، وفي الوقت نفسه تأكدت من قوة تأثيرها فيه، ومع ذلك قررت أن تكون عند حسن ظنه وألا تجعله يندم أبداً على زواجه منها، ومرت بهما الشهور سريعاً وكل منهما غارق في سعادته وتقدم له كل ما في وسعها وتتمنى منه أي طلب حتى تسعى لتنفيذه، والأمر الوحيد الذي كان يؤرقها الوحدة التي تعيش فيها خلال أيام غيابه لدى عمله في الصحراء، وبعد لحظة حميمية بينهما عرضت عليه- مجرد عرض-أن يبحث لها عن أي وظيفة لكي تنقذها من الوحدة وهو بعيد عنها، أو يوافق ويسمح لها بالإنجاب لعل الطفل يخفف من شوقها إليه، فلم يوافق ولم يرفض وإنما طلب منها مهلة أيام للتفكير وقبل أن تسأله مرة أخرى أخبرها بأنه عثر لها بالفعل على وظيفة في إحدى الشركات، وكانت المكافأة التي استحقها عن جدارة أنها بدأت معه شهر عسل من جديد كنوع من الاعتراف بجميله عليها، وفي الشهور الأولى شغلتها متاعب العمل عنه، فقد طلب منها منذ البداية الاعتماد على نفسها وأن تتعايش وتتعلم كيفية مواجهة مشاكل العمل ومتاعبه، وأن حياة العمل تختلف عن الحياة في المنزل، وفهمت النصيحة ولم تخف من كم العمل الكبير الذي يكلف به عادة الموظفون الجدد بل رحبت، وخلال شهور معدودة كانت أصبحت محط أنظار رؤسائها، واعتادت سماع كلمات المديح عليها منهم وتسابقهم إلى التقرب منها وافتعال الأحاديث معها، ورغم الجهد الشديد الذي تبذله في عملها فإن ذلك لم يجعلها تهمل في عنايتها بنفسها. قبل مرور عام واحد من تسلمها العمل تمت ترقيتها ما أثار غيرة الزميلات وبدأت الشكاوى المجهولة تنهال ضدها وجميعها كان يتم حفظها على الفور نظراً لأنها بلا توقيع، حتى تم تعيين مدير جديد للشركة وعرفت أنه متزوج من ابنة خالته وأنجب منها الأولاد والبنات الذين كبروا وتزوجوا وخلا المنزل عليه هو وزوجته التي تراكمت عليها الأمراض وأقعدها الروماتيزم عن الحركة، وبعد أيام قليلة من تسلم المدير الجديد العمل تعمدت دعاء الذهاب إلى مكتبه بعد أن أضافت إلى جمالها الكثير بحجة عرض بعض الأوراق الخاصة بالعمل عليه وأخذت تراقبه وهي منتشية وهو يتأملها أكثر مما ينظر في الأوراق التي تعرضها عليه، ورغم أنه بذل مجهوداً كبيراً حتى لا يكشف نفسه أمامها، أطال معها المناقشة بقدر ما يستطيع، وعندما همت بمغادرة المكتب عرض عليها أن يلحقها بالعمل في مكتبه لأنه يحتاج إلى من هي في مثل ذكائها ومعرفتها بكل تفاصيل العمل في الشركة فرحبت على الفور بالعرض المغري، فوجودها بالقرب من المدير سيتبعه بالتأكيد الكثير والكثير من الحوافز والعلاوات التشجيعية والأجور الإضافية. تم نقل دعاء إلى مكتب المدير وأصبحت سكرتيرته الخاصة وتحولت دفة الحديث بينهما تدريجياً إلى حياته الخاصة وأخذ يشكو لها من الجدب الذي يعانيه وفي أحد الأيام بعدما فاض به الشوق طلب منها أن توافق على أن يجلس معها جلسة على انفراد كي يستطيع أن يعبر لها عن مدى حبه وشوقه لها، مؤكداً أنه لم يعرف من قبل واحدة مثلها، وبالتأكيد لن تجد رجلاً يهواها مثله، وأخذ يؤكد لها ويعدها أن الجلسة التي يطلبها بريئة وأنه بعيد عن العمل شخص آخر وديع ومسالم، وأخذ يحاصرها بطلبه ولا يكل ولا يمل من ترديده على مسامعها ما كان يشبع غرورها بأن المدير بنفسه هو الذي يقدم القرابين لنيل الرضا والقبول، وشيئاً فشيئاً ومن حيث لا تدري تحولت إلى العدوانية مع الزملاء والزميلات وبدأت تثق في نفسها، كما وجدت نفسها تقارن بين زوجها صلاح الذي يشعرها دائماً بأنه يتفضل عليها، وبين المدير الذي يقول لها بلا خجل إنها أكسير الحياة الذي يتلقاه في كل بسمة تتبسمها وأنه يحتاج إليها لكي يستطيع أن يعيش وأنها المكافأة التي أهداها القدر إليه. تدريجياً شعر صلاح بأن طريقة تعاملها معه تغيرت وأصابها بعض الاستعلاء والتكبر وأن صوتها الهامس أصبح أوامر وتعليمات وتكررت الساعات الإضافية في العمل والتأخير خارج المنزل ومع ذلك لم يرغب في أن يصطدم معها وأقنع نفسه بأن الصبر هو الدواء الوحيد لمثل هذه الحالة حتى تفيق من غرورها وتنازل أحياناً وتغاضى عن حقوقه أحياناً أخرى لكنها استمرأت الصوت المرتفع لأتفه سبب وأصبحت عدوانية في كلامها معه وتضرب بأوامره عرض الحائط علاوة على الإعراض عن الحديث معه وتصنع الرغبة في النوم، وكلما نشبت معركة بينهما عايرته بأنها هي التي أصبحت تتحمل الجزء الأكبر من نفقات المنزل، فضغط على كرامته ولفت نظرها إلى تكرر التأخير والصوت المرتفع فغضبت لكنها لم تغادر المنزل وتصالحا وسارت الحياة بينهما شهوراً وهي تشعر بأنه يظلمها بظنونه ويدفعها إلى التفكير في المدير الذي يواصل ضغطه عليها، بينما زوجها مستمر في عجرفته حتى وجدت نفسها تكره حبها له وتكره نفسها إلى أن نشبت بينهما معركة كلامية وفوجئ بها تطلب الطلاق لأنها سئمت الحياة معه وكرهت الارتباط به. سقطت كلمات دعاء على مسامع صلاح كقطرات من الزيت المغلي، وشعر بنفسه وكأنه يسقط من مكان مرتفع، فهو على يقين من أن المرأة لا تطلب الطلاق وتصر عليه إلا إذا كانت واثقة من رجل آخر ينتظرها، وأقنع نفسه بأنها تعرف جيداً ماذا تقول وتعنيه، ومع ذلك تمالك نفسه وسخر منها، مؤكداً أن الطلاق بيده وحده وأنه سوف يطلقها عندما يريد، فأخذت تصرخ وتلعن اليوم الذي رأته فيه والذي تزوجته فيه وأطلقت لسانها بأفظع كلمات السباب وازداد صراخها تطلب الطلاق فوراً وإلا فسوف تشعل النار في نفسها، وازدادت ابتسامته وتحداها أن تفعل ذلك إن كانت صادقة فأسرعت إلى المطبخ وأحضرت زجاجة البنزين المخصص لتنظيف الملابس وسكبتها على ملابسها مهددة بإشعال النار في نفسها وبسرعة قدم لها ولاعته فخطفتها من يده وخلال لحظات كانت قد أصبحت كتلة من اللهب وتعالى صراخ الاثنين. حطم الجيران باب الشقة وتم نقلها إلى المستشفى لكن بعد فوات الأوان وشهد الجيران بأنهم وجدوه يحاول أن ينقذها بدليل الحروق التي في يديه. أمرت النيابة بحبسه على ذمة التحقيق.