كشفت هيئة التفتيش الملكية الخاصة بالشرطة البريطانية أمس أن مئات الضباط متهمون في قضايا استغلال جنسي، ما أثار جدلا واسعا في الأوساط السياسية والإعلامية وتساؤلات حول دور المؤسسة الأمنية والجهات المختصة بالرقابة. واتّهم أكثر من 300 ضابط شرطة بريطاني باستخدام مواقعهم في استغلال أفراد جنسيا، كان من بينهم ضحايا الجرائم التي يسعون إلى مكافحتها. وجاء تقرير الهيئة استجابة لطلب وزارة الداخلية، التي كانت ترأسها تيريزا ماي، مطلع هذا العام بالتحقيق في مدى انتشار الظاهرة. وتبين للهيئة، كما ذكرت في تقريرها أن 306 ضباط وآخرين من أفراد الشرطة كانوا ضالعين في 436 حالة اعتداء جنسي. كما أشار التقرير كذلك إلى أن 40 في المائة من الاتهامات شملت ضحايا إساءات منزلية، ومشتبهين مقبوضا عليهم، وآخرين يعانون من إدمان مخدرات أو كحول. كما أضاف التقرير أن المتهمين من الضباط لم «يكن لديهم إدراك بالقدر الكافي» للحدود الفاصلة بين عملهم وإنشاء علاقات غير مشروعة مع أفراد «ضعفاء». وأضاف التقرير أن هؤلاء استغلوا مناصبهم وسلطتهم لاستغلال الناس جنسيا. وردا على سؤال حول مدى انتشار هذه الظاهرة، قالت متحدثة باسم هيئة التفتيش في اتصال مع «الشرق الأوسط» أمس: «لا شك أن حجم هذه المشكلة يتجاوز الأرقام المعلنة والتي تم تجميعها خلال كتابة هذا التقرير». وعن الإجراءات التي ستتخذها الشرطة في حق المتهمين، أوضحت المتحدثة أن الهيئة أصدرت عددا من التوصيات إلى الشرطة بهذا الشأن. وأوضحت المتحدثة أنه فيما لا تعتبر التوصيات ملزمة، إلا أن الشرطة اعتادت على اتباعها وتطبيقها. وتتجلى توصيات الهيئة في إنشاء خطة خلال ستة أشهر تمكّن الشرطة من تجميع المعلومات اللازمة حول استخدام الضباط غير المشروع لمواقعهم في الاستغلال الجنسي. كما نوّه تقرير الهيئة إلى ضرورة الحصول على التكنولوجيا اللازمة لمراقبة الأجهزة الإلكترونية، إلى جانب تعزيز العلاقات والعمل مع المنظمات المعنية بحماية «الأشخاص الضعفاء». وعما إذا تابعت الهيئة حالات مشابهة في السابق، قالت المتحدّثة إنه تم التطرق إلى الظاهرة في تقاريرها السنوية لتقييم عمل الشرطة، إلا أن هذه المرة الأولى التي تعالج فيها الهيئة هذه الظاهرة بهذا الكم من التفصيل والدقة. كما أكّدت أن التقرير السنوي المقبل سيعيد تناول هذه الظاهرة، لتقييم إجراء الشرطة في هذا الاتجاه. إلى ذلك، وصفت هيئة التفتيش في تقريرها حالة إساءة استغلال السلطة من أجل مكاسب جنسية «أكثر أشكال الفساد جدية» التي تواجه الشرطة في إنجلترا وويلز، بينما وصف مجلس رؤساء الشرطة الوطنية المشكلة بأنها «مرض». كما أكّد المجلس على ضرورة «بذل المزيد من الجهد لاجتثاثه و(تطعيم) الشرطة من أجل المستقبل». وأفادت هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) أن الأرقام التي وردت في تقرير هيئة التفتيش جمعت على مدى عامين انتهت في شهر مارس (آذار) الماضي. من جهته، أوضح ستيفن واتسون، رئيس الشرطة أن «هذا هو أكثر أشكال الفساد خطورة، ولا يمكن أبدا تبريره أو التغاضي عنه». ولم يكن لدى وحدات مكافحة الفساد القدرة على الحصول على المعلومات بشأن الحالات المحتملة. وقال مايك كانينغام، وهو المفتش الذي ترأس المراجعة، إن مشكلة الاستغلال الجنسي قد تكون «أكثر خطورة» من العدد المذكور، وقوات الشرطة بحاجة إلى أن تكون «نشيطة بقدر أكبر في اجتثاث» هذا الفساد من جذوره. وقال كانينغام لـ«بي بي سي»: «لا لبس في أن الاستغلال الجنسي للنساء اللاتي يوجدن في موقف ضعيف هو فساد، واستخدام للسلطة من أجل مكاسب شخصية، وهذا هو تعريف الفساد. والادعاءات التي جمعناها من أرجاء بريطانيا ليست مؤكدة، وتظل ادعاءات». أما على مستوى الحكومة، فقد وصفت وزيرة الداخلية، آمبر رود، التقرير بأنه «صادم»، وقالت «إنه أمر يعيق العدالة، وثقة الجمهور، ولا مكان في الشرطة لأي شخص مذنب بارتكاب هذا النوع من الإساءات». وأضافت أنها التقت مع مسؤولين في أكاديمية الشرطة وهيئة التفتيش الوطنية لبحث الإجراءات التي يجب اتخاذها لعلاج المشكلة.