×
محافظة المنطقة الشرقية

آلية تنظيم مسابقة دوري البراعم «غريبة».. ومن غير المعقول أن تقام بلا حكام!!

صورة الخبر

انطلق فيلم «البر التاني» في نحو ستين دار عرض مصرية، بعد أن شارك في مسابقة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي. الفيلم أخرجه علي إدريس، وكتبته زينب عزيز، وهو من إنتاج محمد علي، الذي يقوم ببطولته. يحيل الفيلم إلى حادثة غرق سفينة قبالة ساحل رشيد في شمال مصر، بينما كان على متنها عدد كبير من الشباب الراغبين في الهجرة في صورة غير شرعية. لكن شتان بين الحادثتين – مركب رشيد ومركب «البر التاني» - وأثر كل منهما علينا. اختارت كاتبة السينارو ثلاث شخصيات من الرجال للقيام بالرحلة وسط آخرين، الأول هو سعيد بأدائه الباهت وشخصيته غير المقنعة في تفاصيلها المرسومة. إنه فنّي تكييف، يترك عمله أو يُفصل منه، فيقرر الهجرة، وهو اختيار غير موفق من المؤلفة لأن فني التكييف من المهن التي تكسب جيداً وتحقق مدخولاً كبيراً في مصر حالياً، ولا ندري لماذا وفي أي ظروف ترك عمله؟ باستثناء كلماته الإنشائية مع أمه عن صعوبة إيجاد فرصة عمل في القاهرة من دون أن نرى ذلك بصرياً. أما عائلته فتعمل في تقميع البامية وهي غذاؤهم الوحيد، وعلى رغم أن مشهدها كان من المشاهد القليلة الجيدة في الفيلم لكن لم يتم استغلالها درامياً وبصرياً بحيث توضح جهود ومحاولات تلك الأسرة في التحايل على المعيشة وكسب رزقها. ثم يتفاقم الأمر في مشاهد تتأرجح بين التلقائية والافتعال، بين الاعتدال والصوت العالي أحياناً من الممثلة عفاف شعيب التي قامت بدور الأم والتي تقرر مساعدة ابنها في تجميع المبلغ المطلوب بأن تبيع النحاس الذي كانت تدخره لزواج البنات، ولتُشكل بذلك جزءاً من النسيج النسوي - بالفيلم - المتضامن مع الأبناء والأزواج والقادر على التضحية من أجلهما.   «لماذا؟» الغائبة البطل الثاني عماد ويلعب دوره عمرو القاضي بأداء جيد ومتقن وتلقائي في لحظات الفرح والحب والتردد والخوف والإحساس بالرضا، هو شاب تزوج حديثاً وينتظر طفله الأول، لكنه قرر السفر لأنه أصبح فلاحاً عاطلاً، فالأراضي الزراعية تحولت إلى مبانٍ، من دون أن يذكر السيناريو لماذا تحولت الأراضي الزراعية إلى مبانٍ؟ متفادياً – عمداً أو سهواً - إدانة الحكومة وشبكة المافيا والفساد وراء تجريف الأراضي الزراعية وتحويلها إلى كتل حجرية وخرسانية؟ مثلما – باستثناء جمله الخطابية عن البطالة - لم نرَ أي محاولات للبحث عن عمل أو معاناته كونه عاطلاً، لذلك لم تكن المشاهد المقدمة كافية للتعاطف مع عماد، ربما باستثناء محاولة استغلال الأقارب له بجعله يُوقع على شيكات مبالغ في قيمتها حتى يسمحوا لزوجته أن تبيع «الكردان» - الميراث الذهب المشترك – ليدفع عماد تكاليف السفر للمقاول. الشاب الثالث هو نجار اسمه مجدي - يلعب دوره محمد مهران – نعرف من خلال لقطة واحدة فلاش باك أن الورشة التي يعمل فيها أُصيبت بالكساد فأغلقها صاحبها، وطرده في شكل مفاجئ وغير مقنع، وهي حكاية أخرى لم يقل لنا السيناريو لماذا أُصيبت صناعة الأثاث بالخراب والكساد؟ هل لأن الاستيراد فتح الأبواب على مصاريعها فقتل الصناعة المحلية التي كانت تتباهى بها مصر وتصدرّها للدول الأوروبية قبل الدول العربية؟ إلى جانب لقطات أخرى غير مقنعة درامياً عن مرض محمد الراغب في السفر - في شكل هستيري - هروباً من البلد والذي قرر عدم العودة إليه أبداً، فتخضع له أمه التي جسدت دورها الفنانة حنان سليمان بأداء غلب عليه صدق الأم الملتاعة خوفاً على فقدان وحيدها. يظل الثلاثة هم عصب المشاهد على المركب في عرض البحر، أما بقية الأشخاص فيتحولون إلى مجرد إكسسوار، أو كومبارس، باستثناء قبطان المركب الشرس الذي في لحظة ما، يشعر بالندم لأنه أخذ المركب الرخيص المعيوب في مشهد خطابي مصطنع ومباشر. كان التواجد على متن المركب فرصة ذهبية أمام الكاتبة زينب عزيز لطرح عشرات الحكايات الإنسانية عن عشرات الشباب المغدور، لكنها لم تفعل، وكأنها تآمرت مع البحر فقتلت كل أثر لحياة هؤلاء البشر ضحايا المسؤولين الفاسدين، وضحايا تجار البشر جامعي الأموال، فحولتهم هي الأخرى إلى مجرد مجاميع وكتل بلا روح أو نبض، واكتفى السيناريو بلقطة ينشب فيها صراع ذكوري من أجل الهيمنة وفرض السطوة، ولقطة لشاب يبحث عن سكين لكسر لوح خشبي يستخدمه لمنع الدخان والرائحة الفظيعة القادمة من قاع المركب، فأين هي من تفاصيل البشر الإنسانية؟!   سطحية إحدى مشكلات السيناريو الأساسية تنبع من ضعف صياغة الحبكة، بالطبع إلى جانب السطحية التي تمت بها معالجة القضية، فأغلب الأحداث والتصرفات والتحول الذي يقع لبعض الشخصيات يحدث فجأة وفي شكل غير مُقنع درامياً. في البداية تأتي قصة حب مفتعلة بين سعيد وابنة خالته بأداء مفتعل للاثنين، وبفجاجة يصحبها رفض الخالة التي ترجم الشاب بالحجارة – في مشهد مثير للسخرية - من دون أن نفهم سبباً لهذا الكره. أيضاً قرار عماد بالسفر بعد مشهد زواجه – الذي أتمه لكي يترك شيئاً «من ريحته» للأم - والذي افتتح به علي إدريس فيلمه في لقطات بإضاءة باذخة منتشرة في أرجاء القرية تشي بالثراء ثم نكتشف لاحقاً لأنه لا يمتلك أي أموال فهو عاطل حتى إنه لم يشترِ شبكة لعروسه، فمن أين جاء بكل هذا البذخ في الفرح؟ ثم تقرر الزوجة أن تساعده بأن تبيع الكردان الذهب الذي تشاركه فيها أختان متزوجتان. وهو أمر غير مقنع لماذا تترك الأختان الكردان معها هي من دون غيرها؟ أما مشهد توقيعه على إيصالات للأمانة وتصرف زوج الأخت – نسيبه - الذي كان يُصر على وصل الأمانة بحزم وصرامة مطالباً بأضعاف السعر الحقيقي للذهب عندما زارته زوجة عماد لكنه الآن في وجود عماد الذي يطلب منه وصل الأمانة لتوقيعه فيبدو مرتبكاً، إذ فجأة يندم الرجل ويشعر بنذالته ويتذكر – بافتعال وبكلمات إنشائية - كل الأشياء الجيدة التي فعلها عماد من أجله، صحيح أن بعض الناس تتصرف بنذالة في بعض الأوقات ثم يستيقظ ضميرها وتندم على خستها، لكن أداء الشخصية هنا وتطورها يتسم بالمغالاة والمبالغة وغير مقنع على الإطلاق. أيضاً مشهد إصلاح الثقب في المركب بالخشب والأسمنت شديد السذاجة، ومشهد ضابط حرس الحدود الإيطالي المرتشي الذي اكتشف أن المركب لتهريب البشر وليست مركب صيد لا يقل عن سابقه في السذاجة كتابة وأداءً وإخراجاً. من مشكلات السيناريو أيضاً أنه لا يجعلنا نعايش مأزق الشخصيات ونتماهى معها من طريق المشاهد الدرامية المحبوكة لننفعل بها، لكنه يكتفي بالطابع الخبري في مشاهد خالية من أي انفعال سوى أن أبطالها يمثلون الانفعال – أو يحاولون – وهو في كلا الحالتين لا يصل إلى قلوبنا ولا يحرك عواطفنا لأن السيناريو لم يخلق بداخلنا شيئاً من ذلك، وهو ما يذكرنا بآراء المخرج الروسي أندريه تاركوفسكي عن أهمية تجسيد العامل السيكولوجي والحالة الذهنية للأبطال، وعن ضرورة خلق الظروف الملائمة درامياً التي تجعل المتلقي في حالة نفسية معينة تتماهى مع الأبطال فيتخلق لدى الجمهور الإحساس والأثر المطلوب لما يراه.   عيوب الإخراج بعيداً من مشكلات الأداء التي يحاسَب عليها المخرج قبل الممثلين، فالأمر اللافت أن بعض لقطات الفوتوغرافية كانت قادرة على أن تُثير إحساساً ما بالتعاطف مع الشخصيات، لكن هذا لا يحدث عندما تتحرك الصور بتدفق على شاشة السينما، وعندما يُترك شريط الفيلم لتدور أحداثه كاملة، وهو ما يشي بأن هناك شيئاً ما – و ربما أشياء – خطأ في أسلوب الإخراج، وذلك رغم محاولات المخرج محاكاة لقطات من الفيلم الرومانسي الشهير «تيتانيك» ومنها على سبيل المثال مشهد غرق المركب بالتدريج ثم فجأة، أو لقطة موت البطلين مجدي وسعيد في البحر الذي استُنسخ من غرق جاك – ليوناردو دي كابريو - وانفلاته إلى عمق البحر بينما يظل سعيد – تماماً مثل روز - مستنداً إلى قطعة الخشب حتى يصل إلى الشاطئ من دون أن نعلم هل وصل جثة هامدة أم ما زال به بقايا روح لينضم إلى بقايا الجثث الراقدة على الشاطئ والتي لا نرى منها أي ملامح ولا تثير فينا شيئاً على الإطلاق، ولا أفهم لماذا تم تصوير هذه اللقطات في إسبانيا فهي لم تضف شيئاً للفيلم وكان يمكن تصويرها بأي شاطئ مصري على ساحل المتوسط، كالإسكندرية مثلاً. أما الموسيقى فتوظيفها لم يكن مناسباً ويكشف عن فقدان الحساسية بالأثر المطلوب، فعندما تكون النساء في حالة بكاء وحزن ويتم تركيب موسيقى لآلة العود على البكاء بصوت عالٍ فإلى أيهما يُنصت المتلقي، لقد كان الأمر أشبه بنشاز، فأحدهما يطغى على الآخر ويمحو آثره، وكان على المخرج أن يُخفض من أحدهما لصالح الآخر، أو أن يتركنا نسمع البكاء من دون ذلك اللحن غير المناسب. مثلما كانت الموسيقى في الفيلم بأكمله عالية الصوت وهو أمر يلجأ إليه بعض المخرجين للتغطية على الضعف الفني بالعمل، ولمحاولة ابتزاز عواطف الجمهور، لكن اللافت أن حتى تلك الخدعة لم تأتِ بأثر إيجابي. بقي أن نضيف أن «البر التاني» لا يُعتبر أول عمل سينمائي مصري عن الهجرة غير الشرعية، فقد سبقه بسنين طويلة تجربة مميزة لخيري بشارة أحد رواد «الواقعية الجديدة «، وهو «أمريكا شيكا بيكا» التي كتب لها السيناريو والأغاني د. مدحت العدل في أولى تجاربه السينمائية في شكل كامل بعد مساهمته في «آيس كريم في جليم». كانت تجربة واعدة تنهض على البطولة الجماعية بشخصيات متنوعة تجمع بين الاستقامة والانتهازية، بين الشجاعة والتهور، بين الكبرياء وتقبّل الإهانة، بين الفهلوة المميزة لبعض الشباب المصري وبين الالتزام بالمسؤولية، ومع ذلك حفل الفيلم بالعديد من الأغاني المعبرة عن الغربة ومعنى الوطن، وعلى رغم أن «أمريكا شيكا بيكا» من إنتاج عام 1993- وعلى رغم أي هنات قد تُؤخذ على السيناريو وشبهة التناص مع زوربا اليوناني – لكنه لا يزال يتفوق مرات عديدة على «البر التاني» الذي أنتج في مستهل 2016 بتكلفة تزيد على 25 مليون جنيه ومع ذلك فلم ينجح في أن يُحسب على السينما التجارية ولم يفلح في أن يكون عملاً فنياً رغم خطورة القضية التي يناقشها.