×
محافظة الرياض

الخرج : بالصور بعد خمس سنوات من الإعاقة خرج من العيادة سيرا على قدميه

صورة الخبر

في عسير، تصبح دلالات بعض الألوان مختلفة عن الدلالة العامّة للون حين يرتبط بالطبيعة أو الإنسان، ونعني – هنا – الدلالة الهامشيّة؛ وهي تلك الإيحاءات التي توحي بها اللفظة، أو تتولد في الذهن عند ورود المفردة الدالة على اللون في سياق ما، ومن ذلك أن اللون الأصفر حين يُذكر عند شعراء عسير في مقام الغزل، بوصفه لون غطاء رؤوس الفتيات العذراوات، يأتي ممتلئا بإيحاءات الجمال والصبا، وذلك على النقيض من إيحاءاته العامة التي ترتبط بالشحوب والجفاف واليبوسة والتصحر والمرض؛ ذلك أن الصبايا العسيريات كن يضعن على رؤوسهن المنديل الأصفر، ويخرجن به في المزارع والمراعي والأسواق، فإذا تزوجت إحداهن تركته وغطت رأسها بغطاء أسود، أو جعلتْ على المنديل الأصفر غطاء ذا لون آخر، ثم صار هذا المنديل رمزاً للجمال والأنوثة عند الشعراء وكتاب القصة والرواية المنتمين إلى عسير، ولهذا كان المنديل الأصفر موحيا بالشباب، والجمال، والحب، والتفاؤل بانتظار زوج المستقبل، والابتهاج بالأيام القادمة. يقول محمد زايد الألمعي: كلامُ حبيبتي سُـكّرْ وعـيناها عسـيريّةْ وفي منديلِها الأصفرْ نَمَا قَمرٌ وجُوريّةْ فهذا المنديل الأصفر، مكان نموّ القمر والورد، وهما هي، فوجهها كالقمر، وهي كوردة الجوري. أما إبراهيم طالع، فإنه يربط المنديل الأصفر بصفة نفسية لا جسدية، وهي الوفاء، حتى إن هذا الوفاء يتساقط منه: فـهُـزّي إليكِ... بِجـذْعِ الوفَـاءِ يُسـاقِـطْهُ مِنـديـلُكِ الأصْـفرُ فدلالة اللون هنا تتجاوز الشباب والجمال الأنثويين، إلى الوفاء. ويتحوّل المنديل الأصفر إلى رمز، حين يصرّ إبراهيم طالع على أن يجعله زيا تاريخيا في جنوب الجزيرة العربية، فينسبه إلى المملكة اليمنية بلقيس: لِـمَ أدبـرْتَ وبِلقِيـسُ هنا.. يخـطبُ الدهـرُ حِمـَاهَا للبقـاءْ؟ شَـهَرتْ منـديلَها الأصْـفرَ حُباًّ واعتِـزازاً وعَـزاءْ.. إنّ الإيحاء البصريّ للّون في مثل هذه النّصوص، إيحاء ثقافي قائم على الاعتزاز بممارسة خاصة، وتحميلها من الدلالات ما يهبها جمالا خاصا مرتبطا بالمحيط الاجتماعي الأضيق، مما يخلق رموزا شعرية محلية، ويضيف إلى اللغة والصورة ما لا يتهيأ عند النظر إلى النصوص بوصفها جزءاً من كلٍّ تشبهه في كل الخصائص والسمات، وتلك واحدة من فوائد دراسة الشعر بحسب البيئات؛ لأن التوظيف الفني للون يقوم على مرجعيات معرفية تتباين بحسب بيئات الشعراء وثقافاتهم. أمّا الشّاعرة فاطمة القرني، فإنها تجعل الأصفر لون ثوب طفولتها الذي كانت تزهو به يوم العيد، حين تذكر "الكُرْتَة" الصفراء، وهي نوع من الملابس النسائية التي كانت شائعة في منطقة عسير: ..و"كُرْتَةً" صفراءَ يَومَ العِيْدِ.. أسْحَبُهَا.. أمِيْرَهْ!! واختيارها اللون الأصفر - على الرغم من أن الوزن العروضي يمكنها من استبدال لفظة: "صفراء"، بغيرها - يعني أنها أرادت هذا اللون دون غيره، لأن الأصفر مرتبط بالبهجة والسرور، والعيد والطفولة هما زمناهما، فوجود اللون المحدد لنوع معلوم من الألبسة، والزمن المخصوص، رسما صورة حركية بصرية لتلك الطفلة المختالة بما ترتديه، وتحققت الحركة من خلال فعل واحد هو: "أسحبها".