النسخة: الورقية - دولي أياً تكن نتيجة التطورات التي ستطرأ على أزمة القرم في اوكرانيا، وبصرف النظر عن حجم الأراضي الأجنبيّة التي ستكسبها روسيا بواسطة عمليات عسكرية او مناورات سياسية، لا شك في أن تفادي موسكو الهزيمة متعذر. فالمواطن الروسي العادي هو الخاسر الأكبر، سواء أيّد التدخل العسكري الروسي في اوكرانيا أم لا. وقبل شهرين، استبعد بوتين نفسه إمكان هذا التدخل ووصفه بالأمر التافه، وقال انه غير ممكن، لكن السلطات الروسيّة اختارت تشييد امبراطورية وهمية في مقابل التضحية بالاقتصاد الوطني. ففي المجال الاقتصادي، بدأت الحرب وآثارها جلية في سعر العملة والنمو. وإعادة عقارب الساعة اليوم إلى وراء لن تنفع ولو سُحِبَ كامل العتاد العسكري الروسي من اوكرانيا، واعترفت موسكو بالسلطات الجديدة في كييف، وعَدَلت عن دعم السلطات المحليّة «القرمية». وتعمي الفرحة الكبيرة بإعادة وصل أشلاء الامبراطورية موقتاً عن النتيجة المدمرة لسياسة السلطة الاقتصادية. وقد تَحول، طوال وقت قصير، دون الحديث عن الفساد والسرقة المستشريين في السلطة. فالفساد لا يختلف عن نظيره الأوكراني في عهد فيكتور يانوكوفيتش. وتحسِب السلطة الروسية أن معركة إحياء الامبراطورية ستتستر على القمع في الداخل. ولا بد ان ترحل هذه السلطة قبل أن يستيقظ الشعب على الكارثة التي ستحل به إثر ابرام صفقة «الامبراطورية الشبح مقابل (اطاحة) الاقتصاد الروسي». ولا يزال الروس يسددون ثمن مغامرات موسكو في حرب جورجيا عام 2008، واليوم سيرتفع الثمن أكثر، سواء فرضت العقوبات على روسيا أم لم تفرض. وسيظهر أثر مغامرات بوتين في ارتفاع معدلات البطالة والفقر والتضخم. دفنت المعركة الأخيرة وعود الرئيس الاجتماعية- الاقتصادية والتي كانت أصلاً مهددة قبل أزمة القرم. وبدأ صرف مدخرات صندوق التقاعد على الالعاب الاولمبية الشتوية في سوتشي، والتي تبدد اليوم الهدف الذي من أجله أقيمت، أي تلميع صورة روسيا في العالم وإظهار وجهها الحديث والمنفتح. أمّا الاستثمارات الاجنبيّة فتقلصت في كانون الثاني (يناير) 7 في المئة، ومعدلاتها كانت منخفضة في العام المنصرم. وبلغت قيمة الاستثمارات الاجنبيّة الهاربة من روسيا في كانون الثاني الماضي 20 بليون دولار، ويتوقع أن تبلغ 15 بليوناً في شباط (فبراير) وهذا قبل اندلاع حرب، قد تجفف ما تبقى من استثمارات خارجية. وتوقع البنك المركزي قبل الحرب نمو الاقتصاد الروسي 1.5 في المئة إلى 2 في المئة عام 2014. واليوم، يدور الكلام فحسب على نسبة نمو سلبي اذا اندلعت الحرب. وفي حال حظر استعمال الدولار نكون ضحّينا بالنظام المصرفي الروسي. وبذلت السياسة الخارجية الروسية جهدها، في إعادة البلاد إلى القرون الوسطى، على رغم ان الكلام كان في الأمس القريب يدور على تهيئة الأجواء المناسبة للاستثمار، وعن مركز اقتصادي دولي في موسكو. وأعلن بوتين أنه يرمي الى تربع روسيا ضمن الدول العشرين الأولى في سلم سهولة أداء الأعمال. ولكن، كالعادة في تاريخ روسيا، اختار الكرملين اشباع طموحاته الجيوسياسية عوض الاهتمام بمواطني البلاد. ويسعى حكام روسيا التي تحارب الفقر، الى ضمّ بعض اراضي الدول المجاورة التي تقبع هي الأخرى في فقر مدقع. فإلى القرم، يحلم مسؤولون روس بقضم مقاطعات لوغانسك ودونيتسك وخاركيف الأوكرانية. فتضم روسيا إليها المنافسين المباشرين لمناطق البؤس الروسية في مجال استخراج الفحم والمعادن. خلاصة القول، ان روسيا تكبدت في هذه المبارزة حرباً خاسرة مع اوكرانيا، وابتُلِيت باقتصاد متداعٍ ومصابٍ بالشلل، لن يتعافى في السنوات المقبلة. * صحافي، عن «نوفايا غازيتا» الروسيّة، 5/3/2014، إعداد علي شرف الدين