في معرض بيروت الدولي للكتاب، الذي انطلقت فعالياته قبل أيام، لا حديث إلا عن الكتاب الجديد الذي طرجته الروائية السورية غادة السمان بعنوان «رسائل أنسي الحاج إلى غادة السمان»، والصادر عن دار الطليعة. الكتاب، أثار جدلا واسعًا كون الرسائل جاءت مُفاجِئة وصادمة لكثيرين لم يكونوا يتوقعون تلقي غادة السمان رسائل من كاتب كبير مثل أنسي الحاج، سيما أن الحاج لم يتطرق في سيرته الذاتية إلى أية علاقة عاطفية ربطته بالكاتبة السورية. ونشرت غادة على حسابها بموقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، الرسالة الأولى من رسائل الحاج: وتكشف السمان، أن رسائل حب كان قد كتبها لها الشاعر أنسي الحاج في العام 1963 وجمعتها في كتاب، تعتبره بمثابة هدية منها إلى رواد معرض الكتاب في بيروت. وإن بدا هذا الكتاب بمثابة مفاجأة كبيرة حملتها صاحبة «لا بحر في بيروت» إلى قرائها وإلى قراء شاعر «الوليمة»، فالحدث الذي تتمثله هذه الرسائل يكمن خصوصاً في كشفها «قصة» حب ولو متوهمة أو عابرة قامت بين الشاعر الذي كان في الـ26، والكاتبة التي كانت تتهيأ في العشرين من عمرها لدخول عالم الأدب وتحديدا عالم القصة القصيرة، في بيروت، التي قصدتها لتواصل دروسها في الجامعة الأمريكية وكانت صدرت لها للتو أولى مجموعاتها «عيناك قدري». الشاعر والكاتب عبده وازن، أكد في مقاله المنشور بصحيفة الحياة اللندنية، أنه « لم يكن أحد من أصدقاء أنسي الحاج يتوقع أن يكون الشاعر قد عاش مثل هذه المغامرة التي لم تدم طويلاً، فهو لم يروِ عنها بتاتاً حتى للأشخاص الأقرب إليه الذين كان يستودعهم بعضاً من أسراره، ولم يذكر غادة في حواراته الصحافية ولا في مجالسه. بل إنه لم يكتب عن غادة في زاويته الشهيرة كلمات في ملحق النهار، أي مقال مع أنه كتب الكثيرعن الأدباء والفنانين وعلّق على روايات ودواوين ومجموعات قصصية كثيرة». وتابع وازن، من يعد إلى كتاب «كلمات» بأجزائه الثلاثة لا يجد اسم غادة السمان في الفهرست، ما يعني أنها غائبة عنه تماماً. لكن غادة تنشر في ختام كتاب الرسائل شهادة صغيرة كتبها الحاج عن مجموعتها القصصية «رحيل المرافئ القديمة» وتحمل تاريخ «ربيع 1973» ومن دون أن تذكر الصحيفة التي نشرتها، مكتفية بالهامش الآتي: «هذه الشهادة كتبها أنسي الحاج بعد عشرة أعوام من تاريخ رسائله إلى غادة». ويتساءل الشاعر والكاتب اللبناني، «تُرى هل كتب الحاج هذه الشهادة في زاويته الشهيرة ثم أسقطها من الكتاب؟ فالشهادة تنضح محبة وإعجابا لكنها تخلو من الحماسة الشديدة التي عرف بها الشاعر وفيها يقول: بمزيد من الجرأة، بمزيد من الصدق، بمزيد من الغوص على الذات، تعود غادة السمان إلى قراء قصصها القصيرة بمجموعة جديدة عنوانها رحيل المرافئ القديمة، وبضع من القصص تستوحي هزيمة 1967. وكلها، من دون ريب، تضع القارئ في مناخ شديد الحرارة ومرات ملتهب الحمى». وتابع وازن، في مقاله، اللافت أن كل الرسائل التسع كتبها الشاعر وفق تواريخ بعضها، في الأيام الأولى من كانون الأول/ديسمبر1963 وقد غابت التواريخ عن أربع رسائل بدت أنها كتبت في السياق الزمني نفسه وبالروح نفسها أو النفَس نفسه. كتبت الرسائل تباعاً وكأنها قصائد أو نصوص، ومعظمها فعلاً يفيض نزقاً وتوتراً وجمالاً، على غرار شعر الحاج. ويظهر بجلاء أن أنسي كتب هذه الرسائل ثم توقف أو انقطع عن مراسلة غادة مع أنه أعلن حبه لها أكثر من مرة وأحيانا مجاهرةً أو علناً. ولكن ما هو هذا الحب الذي لم يدم وفق الرسائل سوى أيام معدودة ولكن محمومة حباً وهياماً ووهماً وتوهماً. ويتسال: كيف قدّر لهذا الحب العنيف والغامض أن ينتهي هكذا مثل هبة هواء؟ لو كانت غادة تلقت رسالة أخرى أو حتى قصاصة رسالة، لكانت نشرتها من غير تردد، إلا إذا أرادت أن تخفي ما شاءت أن تخفيه، وهذا مستبعد تماماً. وأضاف، أن «غادة جريئة جداً في كتابتها كما في حياتها، علاوة على نبلها وعفويتها. وكانت صادقة عندما قالت إنها لم ترد على رسائل أنسي ولم تكتب له. وفي مقدمتها المختصرة للرسائل تقول: لم أكتب لأنسي أي رسالة، فقد كنا نلتقي كل يوم تقريباً في مقهى الهورس شو الحمرا أو مقهى الدولتشي فيتا والديبلومات الروشة أو مقهى الأنكل سام وهذه المقاهي انقرضت اليوم. لكنها عندما نشرت في العام 1993 الرسائل التي كتبها الروائي الفلسطيني غسان كنفاني إليها والموقعة خلال العامين 1966 و1967 اتهمها بعض الصحافيين بإخفاء رسائلها إليه وقالوا إنها كانت استعادت رسائلها منه وأخفتها أو أتلفتها لئلا يقرأها أحد. وردت غادة موضحة أنها بحثت عن رسائلها إليه لتنشرها في الكتاب نفسه ولم تجدها وتحسرت على ضياعها. وعندما صدرت رسائل كنفاني أحدثت ضجة في المعترك الأدبي والسياسي العربي وانبرى الكتاب والصحافيون يدبجون المقالات حول هذه العلاقة العاصفة التي قامت بين المناضل الفلسطيني وغادة واستاء بعض المناضلين الفلسطينيين من الصورة التي تكونها الرسائل عن كنفاني العاشق المهزوم والضعيف والذي بدا أشبه بدمية بين يدي معشوقته. لا تمكن المقارنة بين رسائل كنفاني ورسائل الحاج ولا تمكن المقابلة بين قصة كنفاني وقصة الحاج. الأول أحب غادة حباً حقيقياً وبادلته غادة الحب مبدئياً بينما أحب الحاج غادة حباً ظل ملتبساً بين نزعته الأفلاطوينة والنزق إن صح القول، ولم تبادله هي هذا الحب. والرسائل تشهد والوقائع أيضاً. شارك هذا الموضوع: اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)اضغط للمشاركة على Google+ (فتح في نافذة جديدة)